وقسم ثالث ليس لا من هذا ولا من ذاك ، وهو بنفسه على قسمين : قسم يرجع إلى العبد ، وقسم يرجع إلى المولى ، فالأوّل كالتعلّم إمّا اجتهاداً أو تقليداً ، ولا ريب في أنّ تحصيل هذا يكون على عهدة العبد ، فلو لم يحصّله يعدّ عند العقلاء مقصّراً ، وأمّا الثاني فهو أيضاً يكون على قسمين : قسم منه يجب إيجاده من جانب المولى بحيث لو لم يفعله يعدّ مقصّراً وناقضاً لغرضه ، وقسم آخر ليس إلى هذا الحدّ فلا يصدق عليه نقض الغرض.
وإن شئت فمثّل لهذين القسمين بالقوانين المجعولة للسياقة وحركة المرور حيث إنّه لا إشكال في أنّها يمكن أن تكون على نوعين : منها ما يكون نظير بسط الشوارع ورسم الخطوط وأخذ الغرامة ونصب العلامات فإنّها من المقدّمات التي لو لم يحقّقها المسؤولون وحصل من هذه الناحية الهرج والمرج كانوا مقصّرين في أداء وظائفهم ، ومنها ما ليس على هذا المستوى كنصب مراقب على كلّ سيارة فلا ريب في عدم لزومه عليهم.
كذلك في ما نحن فيه ، فإنّ إرسال الرسل وإنزال الكتب وتعيين الثواب والعقاب والحدود والتعزيرات وإيجاد ظروف التعليم والتعلّم يكون من القسم الأوّل ، وهي مقتضى قاعدة اللطف ، فإنّ اللطف يقتضي إيجاد المقدار اللازم من المقدّمات ، وأمّا الأكثر من ذلك فلا يستفاد لزومه من هذه القاعدة.
فتحصّل من جميع ذلك أنّ اللطف الواجب هو ما يعدّ تركه من المولى الحكيم نقضاً للغرض.
هذا كلّه بالنسبة إلى الكبرى.
أمّا الصغرى وتطبيق القاعدة على المقام فلم يقبلها أكثر الفقهاء لعدم وضوح المصلحة التي اقتضت اختفاء الإمام عليهالسلام ، فلعلّها هي إمتحان الناس بالغيبة كما امتحن قوم بني إسرائيل بغيبة موسى عليهالسلام وذهابه إلى جبل طور في فترة من الزمان ، أو أنّها حفظ نفس الإمام عليهالسلام كما ورد في بعض الرّوايات ، واقتضت الحكمة الإلهيّة حصر عددهم في اثني عشر ، أو عدم قابلية الناس وعصيانهم ، فلو صلحوا وأطاعوا أوامرهم لظهر الإمام عليهالسلام.
وعلى كلّ حال نفس المصلحة التي تقتضي خفاءه وغيبته قد تكون موجودة في اختفاء بعض الأحكام فتقتضي عدم إظهارها على كلّ حال.
وبعبارة اخرى : نفس السبب الذي أوجب غيبة الإمام عليهالسلام يشمل بعض الأحكام الفرعيّة التي أجمع العلماء على الخطأ فيها في عصر واحد.