الإمام أو الاستاذ من أقوال المرؤوسين أو المأمونين أو التلامذة مبني على وجود صلة بين الطرفين ، وهي حاصلة في خصوص عصر الحضور.
لكن الحقّ هو وجود هذه الملازمة في زمن الغيبة أيضاً ، لأنّ الصلة مع الواسطة حاصلة ، ويكفي في ذلك الفترة التي كان ديدنهم في الفتوى على التعبّد بمتون الرّوايات وعلى أساس الكتب المتلقّاة من كلمات المعصومين من دون تفريع واستنباط.
الوجه الثاني : ما حكي عن السيّد محمّد المجاهد صاحب مفاتيح الاصول وهو : أنّ تراكم الظنون من الفتاوى تنتهي بالأخرة إلى القطع ، فمن فتوى كلّ واحد منهم يحصل ظنّ ما بحكم الله الواقعي ، فإذا كثرت فمن تراكم تلك الظنون يحصل القطع بالحكم الواقعي الصادر عن الإمام عليهالسلام كما هو الوجه في حصول القطع من الخبر المتواتر.
أقول : إنّ هذا ممكن في نفسه ولكن لا يندرج تحت ضابط كلّي ، إذ يختلف ذلك باختلاف مراتب الظنون والموارد والأشخاص ، فقد يحصل القطع من تراكم الظنون لشخص ولا يحصل لآخر ، إذن فيمكن قبول الصغرى والكبرى في الجملة لا بالجملة.
الوجه الثالث : ما مرّ بيانه من صاحب الفصول ، ونقول توضيحاً لذلك : أنّ اتّفاق العلماء كاشف على وجود دليل معتبر عندهم ، لكن هذا إذا لم يكن في مورد الإجماع أصل أو قاعدة أو دليل على وفق ما اتّفقوا عليه ، فإنّه مع وجود ذلك يحتمل أن يكون مستند الإجماع أحد هذه الامور ، فلا يكشف اتّفاقهم عن وجود دليل آخر وراء ذلك.
كما إذا اتّفقوا على أنّ حدّ الكرّ في باب المياه ثلاثة أشبار ونصف في ثلاثة أشبار ، والمفروض في هذا الفرع عدم وجود أصل أو قاعدة عقليّة أو دليل معتبر نقلي يدلّ على ذلك ، فإنّ هذا الاتّفاق يكشف عن وجود دليل آخر معتبر عند الكلّ ، سيّما إذا لاحظنا ديدن قدماء أصحابنا فإنّه كان على التعبّد بالرجوع إلى الإخبار والإفتاء على وفق متون الرّوايات حتّى كانوا معرضين عن النقل بالمعنى إلاّبمقدار ثبت جوازه في نقل الرّواية.
ويشهد على هذا ما ورد في مقدّمة كتاب المبسوط (١) لشيخ الطائفة رحمهالله الذي كانت لسيّدنا الاستاذ البروجردي رحمهالله عناية خاصّة بها وكان يقول : إنّ هذه المقدّمة تمثّل لنا الجوّ الفكري
__________________
(١) وهو كتاب كثير الفروع في فقه الشيعة ، ويدلّ على تسلّط مؤلّفه على فقه الإماميّة والمذاهب الأربعة ، ولا نجد قبله كتاباً يحتوي على هذه الكثرة من التفريعات.