والاجتماعي الموجود في عصر الشيخ الطوسي رحمهالله ، وإليك نصّها : « أمّا بعد فإنّي لا أزال أسمع معاشر مخالفينا من المتفقّهة والمنتسبين إلى علم الفروع يستحقرون فقه أصحابنا الإماميّة ويستنزرونه وينسبونهم إلى قلّة الفروع وقلّة المسائل ، ويقولون : إنّهم حشو ومناقضة ، وإنّ من ينفي القياس والاجتهاد لا طريق له إلى كثرة المسائل ولا التفريع على الاصول ، لأنّ جلّ ذلك وجمهوره مأخوذ من هذين الطريقين ، وهذا جهل منهم بمذاهبنا وقلّة تأمّل لُاصولنا ، ولو نظروا في أخبارنا لعلموا أنّ جلّ ما ذكروه من المسائل موجود في أخبارنا ومنصوص عليه تلويحاً من أئمّتنا ... ( إلى أن قال ) : وكنت على قديم الوقت وحديثه مشوق النفس إلى عمل كتاب يشتمل على ذلك ( التفريعات ) تتشوّق نفسي إليه فيقطعني عن ذلك القواطع وتشغلني الشواغل وتضعف نيّتي أيضاً فيه قلّة رغبة هذه الطائفة فيه وترك عنايتهم به لأنّهم ألفوا الأخبار وما رووه من صريح الألفاظ حتّى أنّ مسألة لو غيّر لفظها وعبّر عن معناها بغير اللفظ المعتاد لهم لعجبوا منها وقصر فهمهم عنها ، وكنت عملت على قديم الوقت كتاب النهاية وذكرت جميع ما رواه أصحابنا في مصنّفاتهم واصولها من المسائل وفرّقوه في كتبهم ، ورتّبته ترتيب الفقه وجمعت من النظائر ، ورتّبت فيه الكتب على ما رتّبت للعلّة التي بيّناها هناك ولم أتعرّض للتفريع على المسائل ولا لتعقيد الأبواب وترتيب المسائل وتعليقها والجمع بين نظائرها بل أوردت جميع ذلك أو أكثره بالألفاظ المنقولة حتّى لا يستوحشوا من ذلك » (١) ( انتهى ).
فالمستفاد من هذه العبارات وصريحها أنّ المقبول من التأليفات في ذلك العصر وما تقدّمه إنّما هو ما كان مأخوذاً من متون الرّوايات وصريح ألفاظها ، فإذا اتّفق علماء ذلك الزمان على مسألة فالإنصاف أنّه يمكن الحدس القطعي من ذلك عن وجود دليل معتبر سنداً ودلالة ( أمّا من ناحية السند فلو فرض ضعفه لجبر بعملهم ، وأمّا من ناحية الدلالة فلأنّه لو كان له من هذه الناحية خفاء لخالف بعضهم على الأقل ) أو يكشف ذلك عن أخذ هذا الحكم عن المعصوم عليهالسلام جيلاً بعد جيل وإن لم يذكر في رواياتهم.
فقد ظهر ممّا ذكرناه أوّلاً : أنّ ثلاثة من الأقسام الأربعة للإجماع تامّة كبرى ، وهي الإجماع
__________________
(١) المبسوط : ج ١ ، ص ١ ـ ٣ ، الطبعة الثانية ، طبع المطبعة الحيدرية.