ثانياً : أنّ هذا يتمّ لو كان مناط حجّية خبر الواحد هو حصول الظنّ منه بالحكم الشرعي ، وحينئذٍ لا خصوصيّة للظنّ الحاصل من الشهرة بل إنّه يدلّ على حجّية كلّ ظنّ كان في مرتبة ذلك أو أقوى منه ، وأمّا لو كان مناط حجّيته مجهولاً فلا يتمّ ذلك.
إن قلت : هذا إذا كان دليل حجّية خبر الواحد من الأدلّة النقلية فحينئذٍ وإن علمنا إجمالاً أنّ الشارع جعل حجّية الظنّ لكاشفيته وإماريته على الواقع لكن لا نعلم كونها تمام الملاك ، فلا يقاس بخبر الواحد غيره ، وأمّا إذا قلنا أنّ دليل الحجّية هو بناء العقلاء فلا ريب أنّ الملاك كلّ الملاك عندهم هو الكشف الظنّي عن الواقع والمفروض أنّ هذا الكشف موجود في الشهرة بدرجة أقوى.
قلنا : أوّلاً : يمكن أن يكون شيء حجّة عند العقلاء بملاك ولكن الشارع أمضى بنائهم بملاك آخر ، كما أنّ الكعبة مثلاً كانت في عصر الجاهلية محترمة عند الناس لأنّها مكان أصنامهم ، والشارع أيضاً عدّها محترمة بملاك آخر قطعاً ، وكذلك الصفا والمروة فإنّهما كانا محترمين عندهم لأنّهما مكان نصب صنمين معروفين من أصنامهم : أساف ونائلة ، ولكن الإسلام جعلهما من شعائر الله بملاك آخر قطعاً ، ولعلّ ما نحن فيه كذلك ، فكان خبر الواحد حجّة عند العقلاء بملاك وعند الشارع بملاك آخر ، كما يشهد له حكم الشارع في الخبرين المتعارضين المتساويين بالتخيير مع أنّهما يتساقطان في الحجّية والاعتبار عندهم ، وعلى كلّ حال لا ملازمة بين إمضاء النتيجة وإمضاء الملاك.
ثانياً : نحن لا نقبل كون ملاك الحجّية عند العقلاء أيضاً حصول مطلق الظنّ من خبر الواحد ، بل الحجّية عندهم ظنّ خاصّ حاصل من منشأ خاصّ ، ولذلك لا يُعتنى عندهم بظنّ القاضي ولو كان أقوى من الظنّ الحاصل من شهادة الشهود.
الأمر الثاني : ما ورد في مقبولة ومشهورة :
أمّا الاولى : ما ورد في مقبولة : فهي ما رواه عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبدالله عليهالسلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما ... ( إلى أن قال ) : فإن كان كلّ واحد اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما واختلف فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم ( حديثنا ) فقال : « الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر » ، قال فقلت : فإنّهما عدلان مرضيّان عند