الاصطلاح ، أي الشهرة الفتوائيّة التي توجب الظنّ بقول المعصوم عليهالسلام.
هذا كلّه بالنسبة إلى الأمر الثاني لحجّية الشهرة.
الأمر الثالث : فهو ما نقله المحقّق النائيني رحمهالله وهو الاستدلال بذيل آية النبأ من التعليل بقوله تعالى : ( أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) بتقريب أنّ المراد من الجهالة السفاهة والاعتماد على ما لا ينبغي الاعتماد عليه ، ومعلوم أنّ العمل بالشهرة والاعتماد عليها ليس من السفاهة وفعل ما لا ينبغي (١).
وفيه : أنّ غاية ما يقتضيه هذا التعليل هو عدم حجّية كلّ ما فيه جهالة وسفاهة ، وهذا لا يقتضي حجّية كلّ ما ليس فيه جهالة وسفاهة إذ ليس له مفهوم حتّى يتمسّك به ، ألا ترى أنّ قوله « لا تأكل الرمّان لأنّه حامض » لا يدلّ على جواز أكل كلّ ما ليس بحامض.
والإنصاف أنّ هذا الدليل لشدّة وهنه لا يليق بالذكر.
هذا كلّه بالنسبة إلى القول بحجّية الشهرة مطلقاً ، وأمّا القول بالتفصيل بين الشهرة عند القدماء والشهرة عند المتأخّرين فيستدلّ القائلون به بتعبّد القدماء بالعمل بالأخبار ومتون الرّوايات وعدم الاعتناء بالأدلّة العقليّة والاستحسانات ( كما مرّ ضمن بيان مقدّمة كتاب المبسوط ) ويتّضح لنا ذلك ببيان التطوّرات الفقهيّة التي مرّ بها تاريخ الفقه الشيعي فنقول : كان فقه الشيعة ينتقل من الأئمّة المعصومين عليهمالسلام إلى شيعتهم يداً بيد وجيلاً بعد جيل من دون وجود حلقة مفقودة ، لكن بطيّ مراحل مختلفة ، ففي أوائل عصر الأئمّة عليهمالسلام كانت الشيعة تأخذ الرّوايات من أئمّتهم من دون أن يكون لهم تدوين وتأليف ، ثمّ في مرحلة اخرى جمعوها في كتب ورسائل عديدة انتهت إلى أربعمائة كتاب ، وسمّيت بالاصول الأربعمائة ، لكن كلّ هذا من دون تنظيم وترتيب وتبويب مطلوب ، ثمّ في مرحلة ثالثة تصدّوا لتنظيمها وتبويبها مع ذكر إسنادها وكانوا يكتفون بها للفتوى ، ثمّ وصلت النوبة إلى مرحلة رابعة وهي مرحلة الفتوى ، فكانوا يفتون في المسألة في بدء هذه المرحلة بألفاظ الأحاديث ومتونها ، وذلك بحذف الإسناد وتخصيص العمومات بمخصّصاتها وتقييد المطلقات بمقيّداتها وحمل التعارضات والجمع أو الترجيح بين المتعارضات نظير ما صنع به علي بن بابويه والد الصدوق رحمهالله ، ولذلك كان
__________________
(١) فوائد الاصول : ج ٣ ، ص ١٥٥ ، طبع جماعة المدرّسين.