يكون من الكبرى الكلّية التي يصحّ التعدّي عن مورده » (١).
وحاصل كلامه : أنّ نفي الريب هيهنا ليس المراد به نفي الريب بقول مطلق لوجود الريب قطعاً وإلاّ لم يكن مورداً للسؤال ، بل المراد به نفي الريب بالنسبة إلى ما يقابله من الخبر الشاذّ النادر ، ومثل هذا المعنى ليس قابلاً لأن يكون علّة سارية لوجوب الأخذ في جميع الموارد ، للقطع بعدم حجّية بعض ما يكون الريب فيه أقلّ بالنسبة إلى ما يقابله ( كاختلاف مراتب الكذّاب في الكذب ).
وأجاب عنه بعض الأعاظم : « أنّ الكبرى ليست مجرّد كون الشيء مسلوباً عند الريب بالإضافة إلى غيره حتّى يتوهّم سعة نطاق الكبرى بل الكبرى كون الشيء ممّا لا ريب فيه بقول مطلق عرفاً بحيث يعدّ الطرف الآخر شاذّاً نادراً لا يعبأ به عند العقلاء وهذا غير موجود في الموارد التي أشار إليها قدسسره ، فإنّ ما ذكره من الموارد ليس ممّا لا ريب فيه عند العرف » (٢) وهو جيّد.
الخامس : ( وهو العمدة ) أنّ المراد من الشهرة فيها هو الشهرة بمعنى الوضوح ، أي الشهرة اللغويّة لا الشهرة المصطلحة ( وفي الواقع وقع الخلط بينهما ، ونظيره كثير في طيّات كتب الفقه والاصول ) ففي مقاييس اللغة : « الشهرة وضوح الأمر ، وشهر سيفه إذا انتضاه » وفي النهاية : « الشهر الهلال سمّي به لشهرته وظهوره » وفي لسان العرب : « الشهرة ظهور الشيء في شنعة حتّى يشهره الناس ».
وفي مفردات الراغب : « شهر فلان واشتهر يقال في الخير والشرّ » وفي الصحاح ( نقلاً من لسان العرب ) : « الشهرة وضوح الأمر ».
وفي مجمع البحرين : « الشهرة ظهور الشيء في شَنعة حتّى شهره الناس ».
إذن فيكون معنى قول الإمام في الروايتين : « خذ بما صار واضحاً عند أصحابك » ولا إشكال في أنّ هذا المعنى من الشهرة أو أنّ هذه الدرجة من الشهرة تصل إلى مرتبة القطع العرفي العادي ، فليس المراد من عدم الريب عدم الريب بالنسبة إلى ما يقابله ، بل عدم الريب مطلقاً ، وإذن لا يصحّ الاستدلال بهما في محلّ البحث ، لأنّ المفروض أنّ محلّ النزاع هو الشهرة في
__________________
(١) فوائد الاصول : ج ٣ ، ص ١٥٤ ـ ١٥٥.
(٢) تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ١٧١ ، من الطبع القديم ، وص ١٠٢ ، من طبع جماعة المدرّسين.