أقول : نحن نوافقه فيما أفاده لو كان مرجعه إلى إطلاق الخطابين حيث إنّه إذا كان كلّ واحد من الخطابين مطلقاً بالنسبة إلى الآخر فكان مردّ قوله « أكرم عالماً » مثلاً إلى قوله « أكرم عالماً سواء كان هاشمياً أو غير هاشمي » وكذلك كان مرجع قوله « أكرم هاشمياً » إلى قوله « أكرم هاشمياً سواء كان عالماً أو غير عالم » فلا إشكال في كفاية إتيان متعلّق العنوانين مرّة واحدة عن امتثال كلا الخطابين ، ولا يبعد أن يكون ذلك هو مراد المحقّق النائيني رحمهالله أيضاً.
والتحقيق في المسألة أن يقال : إنّ النسبة بين متعلّقي دليلين تتصوّر على أربعة وجوه : فتارةً تكون النسبة هي التباين ، وحينئذٍ لا موقع للتداخل كما لا يخفى.
واخرى تكون النسبة بين العنوانين هي التساوي ، فلا معنى أيضاً للبحث عن تداخلهما لأنّهما متداخلان دائماً ، ولا يمكن الانفكاك بينهما ، بل لا يمكن أن يكلّف المولى بماهيّة مرتين إلاّ أن يرجع خطابه في كلّ مرّة إلى فرد خاصّ من الماهيّة فيتعلّق كلّ واحد من الخطابين بأحدهما ، وحينئذٍ ترجع النسبة لا محالة إلى التباين أيضاً كما في القسم الأوّل لأنّ كلّ واحد منهما بتشخّصاته الفرديّة مباين للآخر.
وثالثة : نسبة العموم من وجه.
ورابعة : العموم المطلق.
ومحلّ البحث في المقام إنّما هو هذان الوجهان الأخيران ، ولا إشكال في أنّ العناوين فيهما تارةً تكون من العناوين القصديّة كعنوان الصّلاة والصّوم ونحوهما من العناوين الموجودة في أبواب العبادات ، واخرى من العناوين غير القصديّة ، فتصير الصور حينئذٍ أربعة.
والصحيح أنّ مقتضى القاعدة هو التداخل مطلقاً في جميع الصور الأربعة لو كنّا نحن والأدلّة الشرعيّة وإطلاقها ما لم تنصب قرينة على التداخل أو عدمه ، فإنّ مقتضى إطلاق الخطابين ـ كما مرّ ـ هو كفاية الإتيان بمجمع العنوان في العامين من وجه ، وكفاية الإتيان بالخاصّ في العموم والخصوص المطلق.
ولا يتوهّم أنّ الإتيان بخصوص ذلك يخالف تعدّد التكليف ، لأنّ المفروض أنّ مجمع العنوانين واجد لكلتا المصلحتين ، نظير ما إذا أمر الطبيب المريض بأكل مطلق الفاكهة مثلاً لرفع دائه ، وأمره أيضاً بأكل فاكهة خاصّة لرفع داء آخر ، فلا إشكال في جواز الاكتفاء بأكل تلك الفاكهة الخاصّة وحصول كلتا المصلحتين بها.