التي ليست قابلة للجعل فلا يمكن أن يقال : جعلت هذا حجراً أو شجراً ، وأمّا البناء فلأنّه لو سلّمنا إمكان ذلك فإنّه لا يتمّ بالنسبة إلى أدلّة حجّية خبر الواحد ، لأنّ لسانها ليس لسان جعل صفة العلم كما لا يخفى على من تأمّل فيها.
الوجه الرابع : ما نقله الطبرسي رحمهالله في مجمع البيان عن الجصّاص وحاصله : أنّ لسان أدلّة حجّية خبر الواحد لسان الدليل الوارد فيرفع بها موضوع النهي الوارد في الآيات الناهيّة ( وهو الظنّ ) حقيقة.
والجواب عن هذا الوجه واضح ، لأنّ قطعيّة أدلّة حجّية الخبر شيء وقطعيّة نفس الخبر شيء آخر ، والثابت هو الأوّل لا الثاني ، فكأنّه وقع الخلط بين الأمرين.
فظهر إلى هنا أنّه لا تحلّ المشكلة بهذه الوجوه الأربعة.
والإنصاف في حلّها أن نلاحظ الآيات السابقة على هذه الآيات واللاحقة لها فإنّها تدلّ على أنّ الظنّ المستعمل في هذه الآيات ليس بمعناه المصطلح عند الفقهاء والاصوليين ، وهو الاعتقاد الراجح بل المراد منه معناه اللغوي الذي يعمّ الوهم والاحتمال الضعيف أيضاً.
ففي مقاييس اللغة : « الظنّ يدلّ على معنيين مختلفين : يقين وشكّ » واستشهد لمعنى اليقين بقوله تعالى : ( الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ ) حيث إن معنى « يظنّون » فيه « يوقنون » وقال بالنسبة إلى معنى الشكّ ما إليك نصّه : « والأصل الآخر : الشكّ ، يقال ظننت الشيء إذا لم تتيقّنه ».
وفي مفردات اللغة : « الظنّ اسم لما يحصل عن أمارة ومتى قويت أدّت إلى العلم ومتى ضعفت جدّاً لم يتجاوز حدّ التوهّم ».
وبالجملة أنّ الظنّ الوارد في هذه الآيات إنّما هو بمعنى الوهم الذي لا أساس له ولا اعتبار به عند العقلاء.
أمّا الآية الاولى : فلأنّ الوارد قبلها هو : « إنّ الذين لا يؤمنون بالآخرة يسمّون الملائكة تسمية الانثى » فالتعبير بـ « تسمية الانثى » إشارة إلى ما جاء في بعض الآيات السابقة : ( إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا