تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ الْهُدَى ) (١) من أنّ هذه الأسماء أسماء لا مسمّى لها ، ولا تتعدّى عن حدّ التسمية ولا واقعة لها وهي ممّا لا يتفوّه بها من له علم وعقل بل هو أمر ناشٍ عن الوهم والخرافة وما تهوى الأنفس.
فالمراد بالظنّ في الآية هو هذا المعنى الذي ليس له مبنى ولا أساس كسائر الخرافات الموجودة بين الجهّال ، وحينئذٍ تكون أجنبيّة عمّا نحن فيه وهو الظنّ الذي يكون أمراً معقولاً وموجّهاً ومطابقاً للواقع غالباً والذي يكون مبنى حركة العقلاء في أعمالهم اليوميّة كباب شهادة الشهود في باب القضاء وباب أهل الخبرة وباب ظواهر الألفاظ ونحوها ممّا يوجب إسقاط العمل به من حياة الإنسان ولزوم العمل باليقين القطعي فقط اختلال النظام والهرج والمرج.
وأمّا الآية الثانية : فالآيات السابقة عليها : ( قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ... ) تشهد بأنّ الظنّ الوارد فيها إشارة إلى الذين يعدّونهم بأوهامهم شركاء لله تعالى كما يشهد بهذا قوله تعالى في نفس السورة : ( أَلَا إِنَّ للهِ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ) (٢) ، فقد جعل الظنّ في هذه الآية في عداد الخرص في أمر الشركاء ، فالممنوع الظنّ الذي يعادل ما تهوى الأنفس والخرص.
هذا كلّه بالإضافة إلى ما استعمل فيه كلمة الظنّ.
أمّا قوله تعالى : ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) الذي نهى فيه عن اتّباع غير العلم ، فإنّه وإن لم يأت فيه ما بيّناه بالنسبة إلى الآيتين السابقتين لكن يأتي فيه ما ذكر في الجواب الأوّل ، وهو القول بالتخصيص ، لأنّ لسان هذه الآية ليس آبياً عن التخصيص كما لا يخفى على المتأمّل فيها.
__________________
(١) سورة النجم : الآية ٢٣.
(٢) سورة يونس : الآية ٦٦.