الخامس : سلّمنا ولكن إطلاق الآية قابل للتقييد بالمستقلاّت العقليّة ، فإنّ هذا الظهور دليل ظنّي وذاك دليل قطعي.
فتلخّص من جميع ما ذكر أنّ الاستدلال بالآية لنفي الملازمة غير تامّ بالوجوه الثلاثة الأخيرة.
الوجه الثاني : لعدم الملازمة : ما يدلّ من الرّوايات على خلوّ كلّ شيء عن الحكم قبل ورود الشرع وأنّ كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي (١).
والجواب عن هذا الاستدلال هو الوجهان الأخيران من الوجوه الخمسة المذكورة في الجواب عن الدليل الأوّل :
أحدهما : انصراف إطلاقها إلى الغالب ، والثاني : أنّ الإطلاق على فرض ثبوته قابل للتقييد.
الوجه الثالث : ما ذكر في علم الكلام من استناد لزوم بعث الرسل إلى قاعدة اللطف لأنّ تمام اللطف وكماله متوقّف على تأكيد أحكام العقل بأدلّة سمعية وإمضائها من ناحية بعث الرسل.
والجواب عن هذا واضح ، وهو ما مرّ في البحث عن الإجماع اللطفي ، فقد ذكرنا هناك أنّ الواجب من اللطف عبارة عن إيجاد الحدّ الأقل من تهيئة أسباب الرشد والكمال بحيث لو لم يعدّها المولى لكان مقصّراً في أداء وظيفته وناقضاً لغرضه.
الوجه الرابع : ثبوت الأحكام العقليّة في حقّ الصبي المراهق إذا كان كامل العقل لطيف القريحة مع عدم كونه مكلّفاً بوجوب ولا تحريم باتّفاق جميع الفقهاء لحديث رفع القلم.
وفيه : أنّه يمكن أن يقال أنّ حديث رفع القلم ناظر إلى غالب الأحكام ويكون منصرفاً عن المستقلاّت العقليّة ، فهل يمكن أن يفتي أحد من الفقهاء بجواز قتل النفس المحترمة والظلم على الناس وغير ذلك من القبائح لمثل هذا الصبي ويحكم بعدم عقابه في الآخرة؟ كلاّ ـ ولا زال فكري مشغولاً بهذا وكنت أستبعده منذ الزمن القديم ، والإنصاف هو الحكم بتحريم مثل هذه الامور على الصبي المذكور.
فإن قلت : فلماذا لا يجري عليه أحكام القصاص بل يكتفي فيه بأخذ الديّة وصرّح الفقهاء بأنّ عمد الصبي خطأ.
__________________
(١) وسائل الشيعة : الباب ١٢ ، من أبواب صفات القاضي ، ح ٦٠.