قلنا : البحث في القصاص والديّات خارج عن محلّ النزاع ، لأنّ النزاع في العقاب وعدمه ، ونفي القصاص عنه في الدنيا لمصلحة خاصّة أو مفسدة خاصّة لا يلازم نفي العقاب في الآخرة ، مضافاً إلى أنّ أحكام الحدود والديّات والقصاص لا تصاب بالعقول كما يشهد عليه قصّة أبان ، فإنّ الحدّ مثلاً ثابت بالنسبة إلى معصية وغير ثابت بالنسبة إلى معصية اخرى أشدّ منها ظاهراً.
هذه هي أدلّة منكري الملازمة مع الجواب عن كلّ منها على حدة ، ويمكن الجواب عن جميعها بالنقض بوجوب النظر في معجزة من يدّعي النبوّة ويقول : « انظروا في معجزتي لتعلموا صدقي » فلا إشكال في وجوب النظر عقلاً ، ولو أنكرنا الملازمة وقلنا بلزوم الاكتفاء بالشرع لزم عدم وجوب هذا النظر وسدّ باب دعوة الأنبياء.
هذا كلّه في القول الثاني وهو إنكار الملازمة مطلقاً.
وأمّا القول الثالث : وهو ما ذهب إليه صاحب الفصول ( من التفصيل بين حكم العقل بحسن التكليف وحكمه بحسن الفعل وأنّ الملازمة ثابتة في الأوّل دون الثاني ) فقد ذكر لذلك وجوهاً :
أحدها : حسن التكليف الابتلائي فإنّ الضرورة قاضية بحسن أمر المولى عبده بما لا يستحقّ فاعله ( من حيث إنّه فاعله ) المدح في نظره استخباراً لأمر العبد أو إظهاراً لحاله عند غيره ، ولو كان حسن التكليف مقصوراً
على حسن الفعل لما حسن ذلك.
وحاصله : أنّ الأوامر الإمتحانيّة ممّا لا يمكن إنكارها مع عدم وجود الحسن في نفس الفعل بل في التكليف.
والجواب عن هذا الوجه يتمّ بذكر أمرين :
الأمر الأول : أنّه فرق بين الإمتحانات الإلهية والإمتحانات الواقعة من جانب الموالي العرفيّة ، لأنّ الاولى ليست للاستخبار ولا معنى له فيها لأنّ الله تبارك وتعالى عالم السرّ والخفيّات ، بل إنّها أسباب تربوية لتكامل العباد ورشدهم وبمنزلة تمرينات يعمل بها قبل الورود في ميدان المسابقات ، التي تعدّ نوعاً من التقوية والتهيّؤ الروحاني نظير التهيّؤ الجسماني ، فتكون المصلحة في نفس الفعل والمقدّمات التي تتحقّق في الخارج ، فإنّ جميعها تحوي على المصلحة ، والمصلحة هي ما ذكر من التعليم والتربيّة والتقوية الروحانيّة كما حصلت لإبراهيم