والأحاديث الصحيحة السند المرويّة عنه صلىاللهعليهوآله قليلة في غاية القلّة ، وقد نقل عن أبي حنيفة أنّ الرّوايات الموجودة عنده المنقولة عن النبي صلىاللهعليهوآله لم تبلغ إلى ثلاثين حديثاً ، ومن الواضح عدم إمكان تدوين الفقه في مختلف أبوابه واصوله وفروعه بهذا المقدار من الرّوايات ، وإن انضمّ إليها آيات الكتاب الحكيم في هذا الباب.
نعم ، ضمّ بعضهم أقوال الصحابة إلى الأحاديث النبويّة لكنّها مع عدم ثبوت حجّيتها حتّى عند كثير منهم وردت أكثرها في التاريخ والتفسير.
فمن أجل هذا الخلأ الكبير مع ملاحظة المسائل المستحدثة التي توجد في عمود الزمان وفي كلّ عصر وعصر بل كلّ يوم ويوم التمسوا منابع جديدة أوّلها القياس ( وسيأتي وجه أولويته ) وغيره من الامور التي نشير إليه في المباحث الآتية إن شاء الله تعالى.
وأمّا الإماميّة فحيث أنّهم تمسّكوا بأهل بيت الوحي وقالوا بحجّية سنّتهم بمقتضى حديث الثقلين وغيره التي جعلت العترة فيها مقارناً مع الكتاب غير منفكٍ عنه بل ورد في روايات عديدة أنّ قولهم قول رسول الله صلىاللهعليهوآله وأنّهم عليهمالسلام رواة الأحاديث (١) فلأجل هذه الوجوه لا يوجد لديهم خلأ في الفقه أصلاً ، وذلك لكثرة النصوص الواردة عنهم عليهمالسلام ولإرجاعهم شيعتهم إلى الاصول العمليّة في موارد فقدان النصّ.
إذا عرفت هذا فنقول : يدلّ على بطلان القياس أوّلاً : ما مرّ من أدلّة عدم حجّية الظنّ ولا حاجة إلى تكرارها.
وثانياً : الرّوايات الكثيرة البالغة حدّ التواتر الواردة في الباب السادس من أبواب صفات القاضي وغيرها ( مضافاً إلى ما سيأتي ممّا وردت من طرق العامّة ) وهي أكثر من عشرين حديثاً ( ح ٢ ، ٤ ، ١٠ ، ١١ ، ١٥ ، ١٨ ، ٢٠ ، ٢٢ ، ٢٣ ، ٢٤ ، ٢٥ ، ٢٦ ، ٢٧ ، ٢٨ ، ٣٣ ، ٣٦ ، ٣٧ ، ٣٩ ، ٤٠ ، ٤٣ ، ٤٥ ).
وهذه الرّوايات تنقسم إلى طوائف مختلفة بمقتضى ألسنتها المتفاوتة ، ففي طائفة منها : « أنّ أوّل من قاس إبليس » فيبيّن الإمام عليهالسلام فيها علّة قياس إبليس ، وقد ورد في مرفوعة عيسى بن عبدالله القرشي قال : دخل أبو حنيفة على أبي عبدالله عليهالسلام فقال له : يا أبا حنيفة بلغني أنّك
__________________
(١) ومن أراد الوقوف على هذه الأحاديث وطرق أحاديث الثقلين فليراجع مقدّمة كتاب جامع أحاديث الشيعة فإنّه من أحسن الكتب في هذا الباب.