توجب الراحة والاشتغالات اللهويّة ، ثمّ قال : الاستصلاح حجّة في القسم الأوّل (١) وذكر هنا مثال التترس الذي حكينا عنه آنفاً.
أمّا الأدلّة في المسألة ، فالقائلون بالحجّية استدلّوا بوجوه عمدتها الإجماع والوجوه العقليّة.
فمنها : ما يرجع في الواقع إلى دليل الانسداد وإن لم يعبّروا به في كلماتهم ، وهو أنّ الحوادث الكثيرة متجدّدة والنصوص قليلة ، ولو اكتفينا بالنصوص ضاقت الشريعة الإسلاميّة مع أنّ الإسلام خاتم الأديان.
والجواب عنه ظهر ممّا مرّ كراراً من أنّه إن كان المراد من الاستصلاح ـ الاستصلاح في موارد القطع فلا ننكره كما سيأتي في الجواب عن الوجه الثاني ، وإن كان المراد منه الاستصلاح في موارد الظنّ ( كما أنّه كذلك ) فلا دليل على حجّيته لما مرّ من عدم تماميّة مقدّمات الانسداد عندنا ، ومنشأ الانسداد على مذهبهم ناشٍ من قلّة نصوصهم مع أنّ سنّة الأئمّة المعصومين عندنا كسنّة النبي صلىاللهعليهوآله وهي تشتمل على الاصول الكلّية والأحكام الجزئيّة معاً ، وتكون كافية في رفع الانسداد.
ومنها : أنّ الأحكام الشرعيّة إنّما شرّعت لتحقيق مصالح العباد وإنّ هذه المصالح التي بنيت عليها الأحكام الشرعيّة معقولة ، أي ممّا يدرك العقل حسنها كما أنّه يدرك قبح ما نهى عنه فإذا حدثت واقعة لا نصّ فيها وبنى المجتهد حكمه فيها على ما أدركه عقله من نفع أو ضرر ، كان حكمه على أساس صحيح معتبر من الشارع.
وفي الجواب نقول : أنّ هذا منبي على الحسن والقبح العقليين وقاعدة الملازمة ، وهي مقبولة عندنا في موارد القطع بالمصلحة والمفسدة التي ليست بنادرة ، لأنّ امّهات الأحكام الشرعيّة قابلة لأن تدرك بالعقل وإن لم يدرك تفاصيلها ، ولذلك نرى أنّه في علل الشرائع ذكرت لأحكام الشرع علل يدركه العقل تفاصيلها ، ولذلك نرى أنّه في علل الشرائع ذكرت لأحكام الشرع علل يدركه العقل ، فلا وجه لما ذكر في مثل الاصول العامّة من أنّ ما كان من قبيل الحسن والقبح الذاتيين فهو نادر جدّاً وأمثلته قد لا تتجاوز العدل والظلم وقليلاً من نظائرهما » (٢).
__________________
(١) راجع الأصول العامّة : ص ٣٨٣.
(٢) الاصول العامّة : ص ٣٨٧.