ومن هنا يظهر أنّ الاستحسان إذا بلغ حدّ المستقلاّت العقليّة وشبهها كان حجّة ، ولكن الاستحسانات الظنّية التي تدور عليها كلماتهم لا دليل على حجّيتها أصلاً ، مضافاً إلى أنّ العدل والظلم لهما مصاديق كثيرة ربّما تشمل شيئاً من أحكام الشرع كالزنا والسرقة والخيانة والكذب والغيبة والسبّ والجناية على الأنفس والأعضاء والغشّ في المعاملة وغير ذلك من أشباههما ، فإنّها تدخل في هذا المعنى.
ومنها : الاستدلال بسيرة الصحابة من زمن النبي صلىاللهعليهوآله القائمة على تشريعهم ما رأوا إنّ فيه تحقيق المصلحة بعد أن طرأت بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوآله حوادث وجدت لهم طوارىء ، فأبو بكر جمع القرآن في مجموعة واحدة ، وحارب مانعي الزّكاة ، ودرأ القصاص عن خالد بن الوليد ، وعمر أوقع الطلاق الثلاث بكلمة واحدة ووقف تنفيذ حدّ السرقة في عام المجاعة ، وقتل الجماعة في الواحد ، وعثمان جدّد أذاناً ثانياً لصلاة الجمعة.
وفيه أوّلاً : أنّ هذه السيرة لا تصل إلى زمن النبي صلىاللهعليهوآله.
وثانياً : لا تتكوّن السيرة من مجرّد نقل موارد شخصية من أشخاص معدودين.
وثالثاً : أنّ الموارد المذكورة غالباً تكون من باب الاجتهاد في مقابل النصّ مثل إيقاع الطلاق الثلاث بكلمة واحدة مع أنّ المفروض كون الاستحسان إستصلاحاً في ما لا نصّ فيه.
هذا في أدلّة المثبتين.
واستدلّ النافون منهم بوجوه عديدة أهمّها ثلاثة أوجه :
الوجه الأوّل : ( وهو أحسن الوجوه ) ما ذكره العضدي والحاجبي ( ابن الحاجب ) في مختصر الاصول (١) وهو « أنّ المصالح المرسلة تقدّمت لنا لا دليل فوجب الردّ » ( أي حيث إنّه لا دليل على حجّية المصالح المرسلة ، فيجب ردّها وليست بحجّة ) ثمّ نقل ما مرّ من الدليل على الحجّية مع الردّ عليه فقال : « قالوا لو لم تعتبر لأدّى إلى خلوّ الوقائع ، قلنا : بعد تسليم أنّها لا تخلو العمومات والأقيسة تأخذها » وقال العضدي في شرح هذا الكلام أوّلاً : إنّا لا نقبل خلوّ
__________________
(١) للحاجبي المتوفّى في القرن السابع ، وشرحه العضدي الشافعي ، وكلّ من المؤلّف والشارح معنون في علم الرجال بعنوان عالم اصولي.