بـ « الف سنة » وبين قولنا « فلبث فيهم تسعمائة وخمسين سنة » واضح.
وثانياً : الحقّ عدم تعارف التخصيص بالمنفصل بين العرف والعقلاء ، بل إنّهم يحملونه على التناقض ، فإذا قال أحد : « بعت جميع كتبي » ، ثمّ قال بعد مدّة : « لم أبع كتابي هذا وذاك » أو قال : « أدّيت جميع ديوني » ثمّ قال بعد مدّة : « بقى عليّ كذا وكذا من الديون » يحكم العرف بأنّه نقض كلامه وكذب فيه.
ويشهد لما ذكرنا بعض الرّوايات التي عومل فيها العام والخاص المنفصل معاملة التناقض والتعارض ، وهو مكاتبة محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميري إلى صاحب الزمان عليهالسلام ـ حيث ورد فيها أنّه قال عليهالسلام : « في الجواب عن ذلك حديثان أمّا أحدهما فإذا انتقل من حاجة إلى اخرى فعليه التكبير ، وأمّا الآخر فإنّه روى أنّه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبّر ثمّ جلس ثمّ قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير ، وكذلك التشهّد الأوّل يجري هذا المجرى ، وبأيّهما أخذت من باب التسليم كان صواباً » (١).
فإنّ ذيل هذا الخبر وهو جملة « وبأيّهما أخذت ... » يدلّ على أنّ الإمام عليهالسلام عامل الحديثين معاملة المتعارضين مع أنّهما من قبيل العام والخاصّ.
إن قلت : كيف اكتفى الإمام عليهالسلام في مقام الجواب بنقل روايتين متعارضتين مع أنّه منبع الأحكام وهو عالم بواقعها؟
قلت : كان عليهالسلام في مقام إعطاء قاعدة كلّية يمكن تطبيقها في سائر موارد التعارض بين الخبرين عند عدم إمكان الوصول إليه في غيبته.
هذا ـ لكن لا يخفى أنّ للشارع المقنّن المشرّع كسائر العقلاء في مقام التقنين عرفاً خاصّاً لا يعامل العام والخاصّ معاملة التعارض ، لأنّ تدريجيّة بيان الأحكام والقوانين تقتضي أن يبيّنها أوّلاً بشكل العام أو المطلق ثمّ يأتي بعد ذلك بالمخصّص أو المقيّد في ظرفه الخاصّ ، ولا يحكم العرف والعقلاء عند ملاحظة هذه السيرة وهذا المقام بالتناقض والتنافي كما لا يخفى.
إن قلت : فكيف حكم به الإمام عليهالسلام في مكاتبة الحميري؟
قلنا : لخصوصيّة في المستحبّات ، وهي أنّ العمومات والخصوصات فيها تحمل على بيان
__________________
(١) وسائل الشيعة : ح ٣٩ ، الباب ٩ ، من أبواب صفات القاضي.