عام ضبطه الإمام من خلال الخصائص العامّة الذي يجب أن تتوافر في الفقيه ، فقد ورد في توقيع الحجّة : ـ فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه ، حافظاً لدينه ، مخالفاً لهواه ، مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه ـ (١).
الثانية : الغيبة الكبرى هي المرحلة الأساسية في الاستتار ، وما الغيبة الصغرى سوى مقدّمة للغيبة الثانية ، فإن كانت الأولى قد استنفذت أغراضها بما أنّها مهّدت فعلاً للثانية ، فإنّ الغيبة الكبرى لا تزال ممتدّة قصد استكمال الشرائط الأساسية للظهور بعد ضمان الأطروحة الكاملة المتمثّلة بالإسلام كنظام اجتماعي شامل لتلك الدولة العالمية والقائد المعصوم لهذه الدولة ، ولم يبق سوى تأمين الطليعة من الأنصار الذين سينصرون المهدي ويساعدونه في مواجهته ومعركته الكبرى ، وانتظار توافر الظرف السياسي العام الملائم لقيام هذه الدولة العالمية.
الثالثة : إن توافر الشرطين السابقين يحتاج إلى أمد طويل مما يستوجب طول الغيبة ، وما يلزم من ذلك من حيرة واضطراب تصل بالبعض إلى درجة الشكّ ، فعن علي بن الحسين عليهالسلام : ـ إنّ للقائم منا غيبتين إحداهما تطول حتّى يقول بعضهم : مات ، ويقول بعضهم : قتل ، ويقول بعضهم : ذهب ، حتّى لا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير (٢) ـ.
و تجعل الغيبة الكبرى المؤمنين على محك الامتحان والابتلاء الذي يشكّل قانوناً عامّاً يحكم هذه الفترة؛ لأنّه لا يمكن فرز الجيش المهدوي المقاتل إلا في أجواء المحن والشدائد حتّى يولد من رحم هذا الواقع الصعب أنصار المهدي الذين يعيشون أعلى درجات الارتباط والولاء ، ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) [ الصف ].
وهذه الخصائص التي توافرت عليها الغيبة الكبرى : استطالة في الزمن ، احتجاب الإمام ، الوضع العالمي غير المستقرّ ، اضطراب حال المسلمين عموماً ... ، توجب على المتابع أن يسأل عن علّة الغيبة ولماذا حُرِمت الأُمّة من إمامها في ظروف هي أحوج ما تكون إليه؟
__________________
١ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٢ ، ص ٨٨.
٢ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ١٥٣.