كلّ الظروف الملائمة التي تخوّل له قيادة المسيرة بسلام ، خاصّة بالنسبة لقائد عالمي كالمهدي عجل الله تعالى فرجه الذي يمتاز عن أي قائد آخر بالامتداد الأفقي لساحته التغيرية حيث تتّسع لكلّ العالم ويمتاز أيضاً بالرفض المطلق لكلّ أنظمة الظلم ورؤوسه وبالتالي فهو قائد ثورة شاملة معلنة لا تقية فيها ، وهذه الأبعاد القيادية للغيبة يمكن إرجاعها إلى العناصر التالية :
أ. الخوف من القتل : قد وردت أحاديث كثيرة عن الأئمة عليهمالسلام تعلّل الغيبة بالخوف من القتل والخوف من الذبح وما قارب هذا المعنى ، وهي تؤكّد أنّ الإمام بما هو مستودع الوصاية الإلهية يمثّل الحفاظ على حياته أهمّيّة قصوى ، عن أبي عبد الله عليهالسلام : ـ يا زرارة لابدّ للقائم عليهالسلام من غيبة ، قلت : ولم؟ قال يخاف على نفسه وأومأ إلى بطنه ـ (١).
وعن زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : ـ للغلام غيبة قبل وفاته. قلت : ولم؟ قال : يخاف على نفسه الذبح ـ (٢).
إنّ خوف الإمام على نفسه من القتل ، وحرصه على وجوده الشريف ، ليس إخلالاً بدوره القيادي ـ كما يتوهّم ـ في الحياة والتاريخ ، وإنّما هو حرص على الرسالة ، وهي حالة عاشها كلّ الأنبياء عبر التاريخ في صراعهم مع الطواغيت ، فهذا الحرص لا ينبع من نزعة أنانية منغلقة على الذات ، وخاضعة لغريزة حبّ البقاء ، وإنّما هو شعور ينشأ عن إصرار على أداء الأمانة وتبليغ الرسالة ، وذلك متوقّف عقلاً على وجود وحياة الولي نفسه ، عن المفضّل بن عمر عن أبي عبد الله عليهالسلام : ـ إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة ، يقول فيها : ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربّي حكماً وجعلني من المرسلين ـ (٣).
ونواجه في هذا المقام إشكالاً فحواه أنّ الأئمة عليهمالسلام كلّهم كانوا في مَعْرض القتل فلماذا لم يتواروا كالمهدي عجل الله تعالى فرجه بل كانوا ظاهرين؟
إنّ السائل غاب عنه أنّ حال المهدي يختلف عن حال آبائه ، فهو معروف عنه أنّه لن يترك مملكة لظُلم ولا سلطان لجائر وأنّه سيملأ الأرض عدْلاً وقسطاً وسيقتلع كلّ
__________________
١ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ٩٥.
٢ ـ المصدر نفسه ، ص ٩٧.
٣ ـ النعماني ، الغيبة ، ص ١١٦.