الغيبة ، عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : ـ في القائم سُنّة من موسى بن عمران عليهالسلام ، فقلت : وما سُنّة موسى بن عمران؟ قال : خفاء مولده وغيبته عن قومه ـ (١) ، ولعلّ هذا التأكيد على غيبة موسى عليهالسلام بالذات ، إشارة منهم عليهمالسلام لما حدث وجرى على بني إسرائيل في غيبة نبيّهم من حيرة وضلال ، كذلك الناس زمن المهدي عجل الله تعالى فرجه ، عن الصادق عليهالسلام : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : المهدي من ولدي ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً ، تكون له غيبة وحيرة حتّى تضلّ الخلق عن أديانهم ، فعند ذلك يُقبل كالشهاب الثاقب فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ـ (٢).
اللحاظ الثاني : بهذا اللحاظ تتراءى لنا الغيبة قراراً إلهياً واستدعاءً بشرياً! كيف ذلك؟ إنّ الأئمة عليهمالسلام في روايات الفريقين من السنّة والشيعة عددهم اثنا عشر ، وقد وردت مئات الأحاديث بهذا المعنى ، ذكر بعضها في صحاح السنّة. ولا يمكن أن نفسّر هذا العدد المعيّن إلا من خلال معتقدنا الإمامي بولاية أهل البيت وقيادة الأئمة الاثني عشر ، وكلّ المحاولات الأخرى التي سعت لانتزاع مصاديق تاريخية لهذا العدد من الخلافة الأولى والدولتين الأموية والعبّاسية سقطت في التلفيق والتهافت.
أراد الله للإسلام أن يمتدّ بعد الرسول صلىاللهعليهوآله في أوصيائه الأطهار ، ولكن إقصاء الأئمة عن أداء دورهم القيادي حال دون تصدّيهم لدورهم الطبيعي في المجتمع والتاريخ ، ولكن ذلك لم يمنعهم من أداء مسؤولياتهم بالمقدار المتاح لهم؛ لأنّ ـ الإمام إمام قام أو قعد ـ. فكان من مسؤولياتهم التخطيط لغيبة الإمام الثاني عشر وتهيئة الناس والظروف ، وذلك قصد ادخاره للوقت الملائم الذي سيتوّج فيه المهدي جهود النبوة والوصاية بتحقيق المجتمع المنشود.
ولكي نفهم بعمق أكثر كيف كانت ـ الغيبة ـ استدعاء بشرياً أيضاً علينا أن نفترض أن يكون التخطيط الإلهي في القيادة أخذ مجراه الطبيعي وأنّ الأُمّة الإسلامية مكّنت أئمة أهل البيت عليهمالسلام من مركزهم ، فإنّه من الراجح جدّاً حينئذ أن تكون المدّة الزمنية التي يمتدّ فيها
__________________
١ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥١ ، ص ٢١١.
٢ ـ الشيخ الصدوق ، كمال الدين وتمام النعمة ، ص ٢٨٧.