وأسسها ، وأبعادها ، وقد تكفّلت رسالة النبي محمّد صلىاللهعليهوآله ببيان تفاصيل هذه الأطروحة ولكن المجتمع الإنساني يحتاج إلى فترة زمنية طويلة ( فترة الغيبة الكبرى ) لتعميق هذه الأطروحة والاقتناع بشموليتها والحاجة الأكيدة إليها.
أمّا العنصر الثاني : وهو الإحساس الموضوعي بالمسؤولية؛ فإنّ هذا الشعور يتغذّى من عمق العلاقة بالله سبحانه وتعالى والإيمان بالجزاء الاُخروي ، كما أنّه يتقوّى بتجذير الارتباط بالمهدي عجل الله تعالى فرجه ، فالارتباط العاطفي والروحي بالقائد ينمّي في الإنسان شعوره بالمسؤولية تجاه الرسالة وتجاه تحدّيات المرحلة التاريخية التي يعيشها ، ويضمن معها السلامة من الانحراف والسقوط في منتصف الطريق.
وغيبة الإمام تعمّق هذا الانشداد الروحي ، وتؤجّج نار الشوق للإمام ، والتألّم لهذا الواقع الذي اضطرّ معه للاحتجاب ، ـ بنفسي أنت أمنية شائق يتمنّى ، من مؤمن ومؤمنة ذَكَرَا فحيا ، فأغثْ يا غيّاث المستغيثين عبدك المبتلى ، وأرِه سيّده يا شديد القوى ، وأزِلْ عنه به الأسى والجوى ، وبرّد غليله ، يا من على العرش استوى ـ (١).
وفي دعاء زمن الغيبة : ـ اللهم ولا تسلبنا اليقين لطول الأمد في غيبته ، وانقطاع خبره عنّا ، ولا تنسينا ذِكره وانتظاره والإيمان به ، وقوّة اليقين في ظهوره ، والدعاء له ، والصّلاة عليه ـ (٢).
هذا المحتوى النفسي القوي يمنح الأنصار القدرة على تجاوز كلّ الفتن بما فيها تلك الفتن التي تنخر كيان المؤمنين أنفسهم ، عن أمير المؤمنين عليهالسلام : ـ يا مالك بن ضمره كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا وشبّك أصابعه وأدخل بعضها في بعض؟ فقلت يا أمير المؤمنين : ما عند ذلك من خير. قال : الخير كلّه عند ذلك ، يا مالك ـ (٣) ، وعن الحسن بن علي عليهالسلام : ـ لا يكون الأمر الذي تنتظروه حتّى يبرأ بعضكم من بعض ، ويتفل بعضكم في وجوه بعض ، وحتّى يلعن بعضكم بعضاً ، وحتّى يسمّى بعضكم بعضا كذّابين ـ (٤).
__________________
١ ـ عباس القمي ، مفاتيح الجنان ، دعاء الندبة ، ص ٦٣٩.
٢ ـ المصدر نفسه ، ص ١٠٧.
٣ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ١١٥.
٤ ـ المصدر نفسه ، ص ١١٥.