مؤقتاً أملته ظروف موضوعية وضرورات مستقبلية؛ صوناً للغرض الإلهي من المسيرة البشرية كما حللنا في الفصل الخامس ، وحتّى لا نسيء فهم غيبة الإمام فنعطّل دورها ، على الرغم من ذلك نشأت تصوّرات خاطئة عن الانتظار جعلت أصحابها يتملّصون من كلّ مسؤولية في العمل الرسالي مبرّرين لأنفسهم حالة الخنوع والخضوع بتلك المفاهيم الخاطئة عن الانتظار.
ويمكن أن نطرح نماذج لهذه التصوّرات :
النموذج الأوّل : يعتبر أنّ سبيل الانتظار هو الاستغراق في الدعاء والرياضات الروحية الأخرى قصد الفوز بلقاء الحجّة والتشرّف برؤيته ، وإن فاتنا ذاك الشرف العظيم نكون على الأقل قد أدّينا مهمّتنا كاملة بالتزامنا بأدعية الفرج والتعجيل بظهوره.
النموذج الثاني : الانتظار يعني اعتزال الساحة وممارسة ـ التقية ـ وعدم تعريض النفس للمخاطر ، ويلزم منه التخلّي عن الأدوار الرسالية في المجتمع والتاريخ بهدف المحافظة على الذات عساها تكون جندياً في جيش المهدي حين ظهوره.
النموذج الثالث : ما يطلق عليه الشهيد مطهري رحمهالله عنوان : ـ الانتظار المخرّب ـ : يقوم هذا التصوّر على أنّ ظهور الإمام رهين بامتلاء الأرض ظلماً وجوراً كما جاء في الروايات. فامتلاء الأرض بالمفاسد والانحطاط هو الشرط الموضوعي للظهور ، ومن هنا فعلينا ألاّ نقف في وجه هذه الانحرافات حتّى لا نعطل ظهور الحجّة عجل الله تعالى!
ونتيجة لذلك فإنّ ـ هذا التصوّر يدين كلّ إصلاح؛ لأنّ الإصلاح يشكّل نقطة مضيئة على ساحة المجتمع العالمي ويؤخّر الإمداد الغيبي ـ (١).
ولا يخفى على القارئ تهافت هذه التصوّرات جميعاً ، وابتعادها عن التصوّر الرسالي الأصيل للانتظار ، وإن شخّصت في بعض نماذجها أحد أبعاده : ألا وهو الدعاء ، لكنّه ليس البعد الوحيد للانتظار ، وهذه النماذج ـ خاصّة الأوّل والثاني ـ تفرّغ الانتظار من دلالاته وتحوّله إلى مسألة شخصية ذوقية وتستغرق في علاقة فردية بالإمام ، وكأنّ الإمام إمام فَرْد لا إمام أُمّة.
__________________
١ ـ مرتضى مطهري ، نهضة المهدي في ضوء فلسفة التاريخ ، ص ٤٨.