النقطة الثانية : باتضاح النقطة الأولى ينكشف لنا قانون هذه الفترة التاريخية ـ أي عصر الغيبة الكبرى ـ وهو التمحيص والابتلاء ، فإفراز الطليعة المجاهدة التي تمثّل جنود المهدي عجل الله تعالى ولن يتحقّق إلا من خلال المحن التي تختبر عزائم المؤمنين وهِمَم العاملين فتميّز الصفوة المخلصة الصادقة وتبرزهم إلى الوجود ، عن جابر الجعفي قال : ـ قلت لأبي عبد الله عليهالسلام متى يكون فرجكم؟ فقال : هيهات هيهات ، لا يكون فرجنا حتّى تغربلوا ثمّ تغربلوا ثمّ تغربلوا ( يقولها ثلاثاً ) حتّى يذهب الكدر ويبقى الصفو ـ (١).
عن أبي عبد الله عليهالسلام : ـ إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة المتمسّك فيها بدينه كالخارط شوك القتاد بيده ـ (٢).
عن أبي جعفر محمّد بن علي عليهالسلام : ـ واللهِ لتميّزنّ ، واللهِ لتمحّصنّ ، واللهِ لتغربلنّ كما يغربل الزوان من القمح ـ (٣).
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : ـ كذلك أنتم تميزون حتّى لا يبقى منكم إلا عصابة لا يضرّها الفتنة شيئاً ـ (٤).
إنّ الانتظار يقضي تعمّق هذا الاعتقاد ـ بحتمية البلاء ـ ليرقى إلى مستوى قانون عام يحكم العصر ووسيلة إلهية تمكّن من توفير الشرط الثالث الضروري لقيام مجتمع الظهور المتمثّل في تشكيل جيش الحجّة عجل الله تعالى وأنصاره.
من هنا أكّد الأئمة عليهمالسلام أنّ المهدي لن يكون طريقه وطريق أنصاره سهلاً بل يكون الدرب مليئاً بالتحدّيات والعقبات :
قيل لأبي عبد الله : ـ إنّي لأرجو أن يكون أمره ـ يعني القائل المهدي ـ في سهولة ، فقال الإمام : لا يكون حتّى تمسحوا العرق والعلق ـ (٥).
وقيل لأبي جعفر إنّهم يقولون : إنّ المهدي عليهالسلام لو قام لاستقامت له الأمور عفواً ـ
__________________
١ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ٣٠٤.
٢ ـ المصدر نفسه ، ص ٣١٧.
٣ ـ النعماني ، الغيبة ، ص ١٣٧.
٤ ـ المصدر نفسه ، ص ١٤٦.
٥ ـ النعماني ، الغيبة ، ص ١٣٦.