كلّ النظم والأيديولوجيات الأخرى التي تحكّمت في رقاب الناس حتّى تقوم الحجّة عليهم ، ولا يبقى مال لأرباب دين أو أتباع مذهب بأنّهم لو أتيح لهم لطبّقوا العدل المطلق
برهن فشل هذه التجارب في تاريخ الإنسانية الطويل على كذب ادعاءات هذه النظريات؛ لأنّ التجربة هي المحك الأقوى في هذا الشأن ، ومن جهة ثانية يثبت هذا الفشل ولو بطريقة سلبية إنّ العدل المطلق منحصر في رسالة الإسلام ، ورد في الحديث : ـ ما يكون هذا الأمر حتّى لا يبقى صنف من الناس إلا وقد ولّوا حتّى لا يقول قائل : أما لو ولّينا لعدلنا ، ثمّ يقوم القائم بالحقّ والعدل ـ (١).
إنّ يأس الناس من كلّ البرامج الأخرى والأطروحات المادّية والوضعية يجعل أملهم ينحصر في رسالة الإسلام كبديل حضاري شامل يضمن سعادة الفرد والمجتمع والفوز في الدنيا والآخرة ، وإنّنا في أوائل هذا القرن بعد أن عشنا سقوط الأنظمة الشيوعية في نهاية القرن السابق وتفكّك منظومتها نرقب أزمة الرأسمالية والاضطراب العالمي والدعوات المتلاحقة للعولمة والنظام العالمي الجديد ، الذي تحاول من خلاله هذه الرأسمالية إبقاء هيمنتها على العالم والحيلولة دون الانخرام من الداخل ، ولكن الكثير من المؤشّرات تدلّل على عمق الأزمة الخانقة التي تستبدّ بهذه النظم الرأسمالية سواء على صعيد اقتصادي أم اجتماعي أم أخلاقي عقائدي.
ولعلّ أحداث ١١ / أيلول فضحت بشكل صارخ نقاط ضعف أساسية عديدة كانت إلى وقت قريب غير ظاهرة للعيان ، ولئن حاول الغرب التغطية على حقيقة الحدث وأبعاده الواقعية ليوظّفه كالعادة في خططه ومعاركه الجاهزة مسبقاً قصد استمرارية هيمنته على العالم لكن الأخير قد أحسّ ، ولو للحظات ، أنّ أمريكا مهدّدة بالسقوط ، وأنّ منظومة الغرب على حافّة الانهيار ، وهذا خير دليل على الإمكان الوقوعي لزوال هذا النظام الجائر.
وأثبتت حرب تموز / ٢٠٠٦ من جهة ثانية أنّ الكيان الصهيوني الذي يمثّل الموقع المتقدّم للمواجهة مع الغرب في المنطقة كان قاب قوسين أو أدنى من السقوط وأنّ الحديث عن
__________________
١ ـ المصدر نفسه ، ج ٥٢ ، ص ٢٤٤.