دلالة تتطوّر فيه الأفكار الإنسانية المتعلّقة بطبيعة النظام السياسي والاجتماعي وتزدهر ، وإذا بلغنا الآن نقطة لا نستطيع منها أن نتصوّر عالماً مختلفاً جوهرياً عن عالمنا حيث لا وجود لأي مؤشّر يدلّنا على إمكانية التحسّن الإنساني لنظامنا فإنّه يتوجّب علينا إذ ذاك أن نأخذ بالاعتبار أن يصبح التاريخ ذاته عند نهايته ـ (١).
وفي معرض نقده للإسلام يقرّ فوكوياما بأنّ هذا الأخير يمتلك أيدلوجية متماسكة ، وأنّه استطاع أن يهزم الليبرالية في أجزاء متعدّدة من العالم الإسلامي ، ـ إلا أنّ هذا الدين ـ حسب زعمه ـ لا يملك ، وإنّه عارٍ من أي جاذبية خارج الأصقاع التي كانت إسلامية ثقافياً منذ بدايتها فقد ولّى زمن الغزو الثقافي الإسلامي كما يبدو ـ (٢).
ولكن بأدنى تأمّل تُدفع هذه الأباطيل المزيفة ، فمتى كانت الديمقراطية الليبرالية مطيّة خلاص وسفينة نجاة للبشرية؟! ها هو تاريخها يشهد عليها ، لا يزال الاستعمار الغربي بمآسيه شاخصاً في ذاكرة الشعوب ، ولا يزال عصرنا شاهداً على عنجهية الليبرالية وعنصريتها ، إنّ بشارة فوكوياما قد تنطلي على الرجل الأبيض الذي كان ولا يزال يعيش عقدة النرجسية والمركزية ، عقدة حجبت عنه رؤية الآخرين وحضاراتهم ، وأحلامهم ، وهمومهم ، وفوكوياما ـ على الرغم من جذوره الصفراء ـ يسقط في حبائل هذه العقدة فيجزم بنهاية التاريخ والإنسان الأخير ، وهذا ما جعله قاصراً أن يتصوّر نظاماً أفضل ، ويتوقّع صورة أحسن للعالم وللعلاقات والنظم ، لقد حالَ استغراقه الكهنوتي في تمجيد صنمه الخالد ( الديمقراطية الغربية ) أن يمتدّ ببصره إلى الآفاق الرحبة للمستقبل الإنساني الذي لن يتجمّد ألبتة في متاهات الليبرالية.
ومن جهة ثانية إنّ فوكوياما كثيراً ما يخلط بين واقع المسلمين القاصر عن تقديم الإسلام للعالم بالشكل الملائم ، وبين قدرات الإسلام وما يختزنه من مقومات فكرية
__________________
١ ـ م س ، ص ٧٧.
٢ ـ المصدر نفسه ، ص ٧١.