( أي الإيحاءات للرؤية التاريخية ومسار حركة الإنسان ومستقبله ).
لم تكن مصادفة أن تتكرّر قصّة آدم في سياقات مختلفة في عدّة سور من القرآن الكريم ، وإعلان السماء أنّ آدم هو خليفة الله في الأرض ، وذلك الحوار المميّز بين الله والملائكة حول دور هذا المخلوق الفريد ، وتمرّد إبليس على القرار الإلهي ، وانطلاق الصراع بين إبليس وآدم ، ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَ ذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ) [ يس ].
هذا من جهة البدايات ، أمّا من زاوية النهايات فالقرآن يحدّثنا عن إرث الصالحين للأرض وقيام مجتمع العبودية الكاملة.
( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) [ الأنبياء ].
( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَ ئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [ النور ].
فالنظرية القرآنية تمسح كلّ هذا التاريخ البشري من آدم إلى قيام مجتمع الصالحين ، وتعطيه عنواناً عامّاً ينطبق على كلّ المراحل ـ الكدح نحو الله ـ ، ( يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ) [ الانشقاق ].
والتفسير الإسلامي لا ينحصر في إقليم دون آخر ولا يتقوقع في حقبة بعينها؛ بل هو قراءة مفتوحة على كامل التاريخ الإنساني من مبتداه إلى منتهاه؛ بل تمتدّ النظرية القرآنية في حديثها عن الإنسان إلى ما بعد قيام الساعة ، مما له دلالات مهمّة على تفسير حركة الإنسان في التاريخ ، وإن كان الفكر الإسلامي إلى اليوم يفتقد بحوثاً مهمّة تكشف عن أسرار الاهتمام الكبير بتفصيلات المعاد والآخرة في القرآن وآثار ذلك على الرؤية القرآنية للتاريخ البشري.
__________________
* سبقت القارئ على هذه الإيجاءات في البحوث القادمة.