وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) [ البقرة ].
( ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) [ الأنعام ].
( ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [ يونس ].
وبتتبّع الآيات يمكن أن نميّز في الاصطلاح القرآني بين نوعين من الخلافة : الخلافة العامة : وهي تشمل كلّ أفراد الإنسانية ، بمعنى أنّ الله جعل بني البشر خلفاء الأرض واستعمرهم فيها : ( آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ) [ الحديد ].
والخلافة الخاصّة : وهي خلافة المؤمنين الصالحين من بني البشر الذين يكرسون العبودية لله ويحفظون حدوده ويحرصون على تطبيق القيم الإلهية من حقّ وعدل وقسط وحرية ، وهو كما نلاحظ مدلول قريب من معنى التمكين في الأرض : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَ ئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [ النور ].
في هذه الآية وعد إلهي بتمكين الصالحين واستخلافهم في الأرض وتحقيق مجتمع العبودية الكاملة ، وهنا تتّحد الخلافة العامّة مع العبادة والعبودية الكاملة لله وتتحقّق الغاية النهائية للمسيرة البشرية.
فمجتمع العبودية الكاملة هو المجتمع الصالح الذي ترنو البشرية نحوه ، وهذا ما يذهب إليه السيد الطباطبائي رحمهالله ـ والمتحصّل أنّ الله سبحانه يعدّ الذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات أن سيجعل لهم مجتمعاً صالحاً خالصاً من وصمة الكفر والنفاق والفسق ، يرث الأرض ، ولا يحكم في عقائد أفراده عامةً ولا أعمالهم إلا الدين الحقّ ، يعيشون آمنين من غير خوف من عدو داخل أو خارج ، أحرار من كيد الكافرين وظلم الظالمين وتحكّم المتحكّمين ، وهذا المجتمع الطيّب الطاهر على ما له من صفات الفضيلة والقداسة لم يتحقّق