( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَ ؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ) [ البقرة ].
في هذا الحوار تتخوّف الملائكة من استخلاف آدم على الأرض بعدما اطّلعت على تركيبته التكوينية التي تجعله قابلاً للتمرّد والعصيان ، وهي ما لا تجده في ذواتها ـ حيث إنّ الموجود الأرضي بما أنّه مادّي مركّب من القوى الغضبية والشهوية ، والدار دار التزاحم محدودة الجهات ، وافرة المزاحمات ، مركّباتها في معرض الانحلال ، وانتظاماتها وإصلاحاتها في مظنّة الفساد ومصبّ البطلان ، لا تتمّ الحياة فيها إلا بالحياة النوعية ، ولا يكتمل البقاء فيها إلا بالاجتماع والتعاون فلا تخلو من الفساد وسفك الدماء ، ففهموا من هناك أنّ الخلافة المرادة لا تقع إلا بكثرة الأفراد ونظام اجتماعي يسهم ويفضي بالآخر إلى الفساد والسفك ـ (١).
هذا هو استنتاج الملائكة : هذا الكائن غير جدير بالخلافة؛ لأنّ الخليفة لابدّ أن يكون حاكياً لصفات المستخلِف ، وأين هذه الصفات ( الفساد والسفك ) من الجمال والعظمة الإلهيين!
ولكن المعرفة الخاصّة التي ميّزت هذا الكائن فضّلته ورجّحته على الملائكة ( والمعرفة هو القدر المشترك بين آراء أغلب المفسّرين في تفسير معنى الأسماء ).فالله في ردّه على الملائكة لم ينسف تخوّفهم من الفساد وسفك الدماء وإنّما نبّههم إلى بعد آخر في هذا الكائن وبه استحقّ ما استحق ( اني اعلم ما لا تعلمون ).
لقد توجّست الملائكة من حريّة هذا الكائن ، وخشيت من تمرّده على القوانين الإلهية والقيم الأخلاقية بالظلم وسفك الدماء ، ولكن الله أعلمهم أنّ الإنسان يملك معرفة واستعدادات لمعرفة الحقائق الكونية مما يتيح له الاعتصام بخطّ الهداية وبلوغ مقام الخلافة والحكاية عن الله في صفاته وجماله.
__________________
١ ـ محمّد حسين الطباطبائي ، الميزان في تفسير القرآن ، ج ١ ، ص ١١٦.