قائلاً : هَذَا مَوْضِعُ كَرْبٍ وَبَلاءٍ ، انْزِلُوا هاهُنا مُناخُ رِكابِنا ، وَمَحَطُّ رِحالِنا ، وَسَفْكُ دِمائِنا (١) .
وسارع أبو الفضل العبّاس مع الفتية من أهل البيت عليهمالسلام ، وسائر الأصحاب الممجّدين إلى نصب الخيام لعقائل الوحي ، ومخدّرات النبوّة ، وقد خيّم عليهنّ الرعب ، وأيقنّ بمواجهة الأحداث الرهيبة على صعيد هذه الأرض .
ورفع الإمام الممتحن يديه بالدعاء إلى الله شاكياً إليه ما ألمّ به من عظيم المحن والخطوب قائلاً :
« اللّٰهُمَّ إِنَّا عِتْرَةُ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلىاللهعليهوآله قَد أُخْرِجْنا وَأُزعِجْنا وَطُرِدْنا عَنْ حَرَمِ جَدِّنا ، وتَعَدَّتْ بَنُو أُمَيَّةَ عَلَيْنا ، اللَّهُمَّ فَخُذْ لَنا بِحَقِّنا وَانْصُرْنا عَلَى القَوْمِ الظَّالِمِينَ .
وأقبل الإمام على أهل بيته وأصحابه ، فقال لهم : النَّاسُ عَبِيْدُ الدُّنيا وَالدِّينُ لَعِقٌ عَلىٰ أَلْسِنَتِهِمْ يَحُوطُونَهُ ما دَرَّتْ مَعايِشُهُمْ ، فَإِذا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَانُونَ (٢) .
يا لها من كلمات ذهبيّة حكت واقع الناس واتّجاهاتهم في جميع مراحل التاريخ ، فهم عبيد الدنيا وعبيد السلطة ، وأمّا الدين والمُثل العليا فلا ظلّ لها في أعماق نفوسهم ، فإذا دهمتهم عاصفة أو بلاء هربوا من الدين ، ولم يثبت عليه إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان أمثال الصفوة العظيمة من أهل بيت الحسين وأصحابه .
ثمّ حمد الإمام عليهالسلام الله وأثنى عليه ، والتفت إلى أصحابه قائلاً :
أَمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ نَزَلَ بِنَا ما قَدْ تَرَوْنَ ، وَإنَّ الدُّنْيا قَدْ تَغَيَّرَتْ ، وَتَنَكَّرَتْ وَأَدْبَرَ مَعْرُوفُها ،
__________________________
(١) اللهوف : ٤٩ . مقتل الحسين عليهالسلام / الخوارزمي : ١ : ٢٣٧ . ينابيع المودة : ٣ : ٦٣ .
(٢) مقتل الحسين عليهالسلام / الخوارزمي : ١ : ٢٣٧ . الفتوح : ٥ : ٩٧ .
وضبط أبو هلال الحسن بن عبد الله العسكري في كتابه ( الصناعين ) كلام الإمام الحسين بهذه الصورة : « النَّاسُ عَبِيدُ الدُّنيَا ، وَالدِّينُ لَغْوٌ عَلَىٰ أَلْسِنَتِهِمْ يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ بِهِ مَعَايِشُهُمْ ، فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيانُونَ » .