ولم يقل أحد من أهل اللغة أن المكلب هو المضري والمعلم ، على أن حمل مكلبين على ما ذكروه يقتضي التكرار ، لأنا قد استفدنا هذا المعنى من قوله تعالى : (وَما عَلَّمْتُمْ) وحملها على ما قلناه يفيد زيادة على ذلك ، وهو أن هذا الحكم يختص بالكلاب دون غيرها.
والكلب يعتبر في كونه معلما ، أن يرسله صاحبه فيسترسل ، ويزجره فينزجر ، ولا يأكل مما يمسكه ، ويتكرر هذا منه ، حتى يقال في العادة : إنه معلم ، وما هذا حاله ، يحل أكل ما قتله ، بلا خلاف إذا سمى صاحبه المسلم عند إرساله ، وفي ذلك خلاف. (١)
والتسمية شرط عند إرسال الكلب والسهم وعند الذبح ، بدليل إجماع الطائفة ، وطريق الاحتياط وقوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) (٢) ، وإنما أخرجنا من هذا الظاهر ما تركت التسمية عليه سهوا أو نسيانا ، بدليل إجماع الطائفة ، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله عليهالسلام : إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل (٣) ، فأباح ذلك بشرط الإرسال والتسمية ، وفي خبر آخر : فكل وإلا فلا.
ولا يحل أكل الصيد إذا أكل منه الكلب ، وكان أكله معتادا ، لأن ذلك يخرجه عن كونه معلما ، على ما قلناه ، ولقوله تعالى (فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) (٤) ، وما هذه حاله ممسك على نفسه دون صاحبه ، فإن كان أكله نادرا لم يخرجه عن كونه معلما ، لأن العاقل إذا لم يخرجه السهو والغلط فيما كان عالما به ، عن كونه عالما بذلك بالإطلاق ، فالبهيمة مع فقد العقل بذلك أولى.
__________________
(١) الخلاف في التسمية واقع عند العامة. لاحظ الخلاف كتاب الصيد والذباحة المسألة ٦.
(٢) الأنعام : ١٢١.
(٣) سنن البيهقي : ٩ ـ ٢٣٥ و ٢٣٧ وكنز العمال : ٩ ـ ٢٣٦ برقم ٢٥٨١٢.
(٤) المائدة : ٤.