ولا عن قِلىً فارقتُ دارَ معاشري |
|
همُ المانعونَ حوزتي وذماري (١) |
وقد عَرَفَ ذلك للعراقيين أيضا خصمهم عبد الله بن الزبير حين قال له معاوية متشكياً : أنَّ الحسن عليهالسلام لم يزره في المدينة إلا مرة واحدة ، وكان يتوقع أن يزوره أكثر من مرة ، قال له : والله لو شاء الحسن أن يضربك بمئة ألف سيف لفعل ، ولأهلُ العراق أبرُّ به من أمِّ الحُوار بحُوارها. (٢)
وعَرَفَ هذه الصفة لهم أيضا معاوية نفسه خلال سنوات الصلح حين انطلق أخيارهم ورموزهم من الرجال والنساء بفقه في الدين وجرأة في الحوار مع الحاكم ووفاء لعلي عليهالسلام منقطع النَّظير يروون لأهل الشام ولغيرهم سيرة علي عليهالسلام المشرقة وسوابقه مع النبي صلىاللهعليهوآله.
وقد شهد لهم معاوية بوفائهم لعلي ومنهجه حين قال : (هيهات يا أهل العراق لقد فقهكم علي فلن تطاقوا!)
وحين قال : (لقد لمظكم علي الجرأة على السلطان).
وحين قال : (واللهِ لوفاؤكم له بعد موته أعجب إلي من حبِّكم له في حياته!). (٣)
ان مشروع الهداية وحل المشكلات لا يحتاج فقط إلى قائد رسالي إلهي تسمح له نفسه بالتنازل عن حق بمستوى ملك العراق والبلاد التابعة له لأجل الرسالة والهداية والمصلحة العامة للأمة ، بل هو بحاجة أيضا إلى قناعة العراقيين بذلك وأهليتهم لحمل
__________________
(١) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ج ١٦ ص ٢١٥ ، البلاذري ، انساب الاشراف ج ٣ ص ٣٦٤.
أقول : وذمار الرجل هو ما يلزمه حفظه وحياطته وحمايته وعدم تضييعه بان يقاتل عنه ويقتل من اجله والا لزمه اللوم. وقد وضع الاعلام العباسي في قبال حسن ظن الامام الحسن عليهالسلام بأهل الكوفة الرواية التي تقول : ان الحسن قال لأهل الكوفة : والله لو لم تذهل نفسي عنكم إلا لثلاث لذهلت انتهابكم ثقلي وقتلكم أبي وطعنكم في فخذي) (ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، ج ٤ ص ٩٦) (الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ، ج ١ ص ١٤٩).
(٢) انظر الاصبهاني ، أبو الفرج ، الاغاني ، دار إحياء التراث العربي ، ج ٩ ص ١١٩ ، والحُوار : ولد الناقة من وقت ولادته إلى ان يفطم ويفصل.
(٣) انظر هذه الكلمات في رسالة الوافدات على معاوية تحقيق سكينة الشهابي وقد اوردناها في الفصل الثاني من هذا الباب.