ولأشهر الحرم دلالة لدى كل العرب هي المسالمة واما الطرف الآخر من اعتداء المحرم عليه.
وللإحرام دلالة اخرى في ذلك ، وللهدي الذي يسوقه المحرم دلالة اخرى وهي ان هذا المحرم لا يحل من احرامه الا عند البيت ، والبيت تحيطه قريش وهذا يعني ان المبادرة تفصح عن نفسها ان محمدا جاء مسالما يطلب الصلح مع قريش.
وهذه المبادرة تحمل في طياتها فضح قريش عند حلفائها واظهار حقانية محمد صلىاللهعليهوآله اذا رفضت قريش الصلح مع محمد وصدته عن البيت ، واذا قبلت الصلح معه وسمحت له ان يقضي ماسكه عند البيت فهي مفضوحة ايضا لظهور كذبها فيه انه لا يعظم البيت.
روى الطبري عن ابن إسحاق قال ان قريشا بعثوا إلى النبي صلىاللهعليهوآله الحُلَيس بن علقمة (١) وكان يومئذ سيد الأحابيش وهو أحد بلحارث (٢) بن عبد مناة بن كنانة فلما رآه رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال إن هذا من قوم يتألهون فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه فلما رأى الهدى يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده قد أكل أو باره من طول الحبس رجع إلى قريش ولم يصل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم إعظاما لما رأى ، فقال يا معشر قريش : إني قد رأيت مالا يحل ، صُدَّ الهديُ في قلائده قد
__________________
(١) الحليس بن علقمة : (... بعد ٦ هـ = ... بعد ٦٢٨ م) الحليس بن علقمة الحارثي ، من بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة : سيد (الأحابيش) ورئيسهم يوم أحد ، وكان
مع مشركي قريش. قال الزبيدي : الأحابيش ، بنو المصطلق من خزاعة ، وبنو الهون بن خزيمة ، اجتمعوا عند (جبل حبشي) بأسفل مكة ، وحالفوا قريشا ، فسموا أحابيش ، قريش باسم الجبل. وفي حديث الحديبية : (إن قريشا جمعوا لك الأحابيش) وسماه ابن هشام في السيرة (حليس بن زبان) ثم قال : (الحليس بن علقمة أو ابن زبان) وكان أعرابيا. وهو الذي مر بأبي سفيان بعد وقعة أحد ، فرآه يضرب شدق (حمزة بن عبد
المطلب) بزج الرمح ، ويقول : ذق عنق! أي : يا عاق! فقال الحليس : يا بني كنانة ، هذا سيد قريش يصنع بابن عمه ما ترون! فقال أبو سفيان : ويحك اكتمها عني فإنها كانت زلة. (الاعلام للزركلي)
(٢) تخفيف بني الحارث كما يقال ل (بني القين من بني أسد) : بِلْقَيْن وهو من شواذ التخفيف.