المفتاح لانطلاق مشروع علي عليهالسلام في الشام
هو الصلح وليس الحرب
تكشف الدراسة المقارنة بين حال مشروع علي عليهالسلام ومشروع النبوة من قبل عن حقيقة مثيرة وهي أن مشروع علي عليهالسلام في إحياء سنة النبي صلىاللهعليهوآله قد أحاطته مشكلات هي عين المشكلات التي أحاطت بمشروع النبوة في المدينة من قبل لإحياء دين إبراهيم.
فقد استطاعت قريش المشركة أن تطوق النبي صلىاللهعليهوآله بطوق إعلامي يبرزه رجلاً انتهك حرمة البيت الحرام وسفك الدم الحرام في الشهر الحرام (١) مفسداً في دين إبراهيم ، وأبرزت قريش نفسها أنها على دين إبراهيم تريد السلم وخدمة بيت الله وزواره.(٢)
__________________
(١) جاء في بحار الأنوار العلامة المجلسي ج ١٩ ص ١٩١ ـ ١٩٢ عن تفسير علي بن إبراهيم : «في قوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) البقرة / ٢١٧» فإنه كان سبب نزولها أنه لما هاجر رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى المدينة بعث السرايا إلى الطرقات التي تدخل مكة تتعرض لعير قريش ، حتى بعث عبد الله بن جحش في نفر من أصحابه إلى (نخلة) وهي بستان بني عامر ليأخذوا عير قريش أقبلت من الطائف عليها الزبيب والأدم والطعام فوافوها ، وقد نزلت العير وفيهم عمرو بن الحضرمي ، وكان حليفا لعتبة بن ربيعة ، فلما نظر ابن الحضرمي إلى عبد الله بن جحش وأصحابه فزعوا وتهيؤوا للحرب ، وقالوا : هؤلاء أصحاب محمد صلىاللهعليهوآله ، فأمر عبد الله بن جحش أصحابه أن ينزلوا ويحلقوا رؤوسهم ، فنزلوا وحلقوا رؤوسهم ، فقال ابن الحضرمي : هؤلاء قوم عُمّار ليس علينا منهم بأس ، فاطمأنوا ، ووضعوا السلاح ، فحمل عليهم عبد الله ابن جحش فقتل ابن الحضرمي وأفلت أصحابه ، وأخذوا العير بما فيها وساقوها إلى المدينة ، وكان ذلك في آخر يوم من رجب من الأشهر الحرم ، فعزلوا العير وما كان عليها ، فلم ينالوا منها شيئا ، فكتبت قريش إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنك استحللت الشهر الحرام وسفكت فيها الدم وأخذت المال ، وكثر القول في هذا ، وجاء أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله فقالوا : يا رسول الله أيحل القتل في الشهر الحرام؟ فأنزل الله (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) قال : القتال في الشهر الحرام عظيم ، ولكن الذي فعلت بك قريش يا محمد من الصد عن المسجد الحرام والكفر بالله وإخراجك منه هو أكبر عند الله» والفتنة «يعني الكفر بالله» أكبر من القتل.
(٢) قال الواقدي : قالت قريش بعضها لبعض : قد جاءكم رؤساء أهل يثرب وأهل العلم والكتاب الأول ، فسلوهم عما نحن عليه ومحمدٌ ؛ ديننا خيرٌ أم دين محمد؟ فنحن عمار البيت ، وننحر الكوم (جمع كوماء الناقة المشرفة السنام) ، ونسقي الحجيج ، ونعبد الأصنام. قالوا : اللهم ، أنتم أولى بالحق منه ؛ إنكم لتعطمون هذا البيت ، وتقومون على السقاية ، وتنحرون البدن ، وتعبدون ما كان عليه آباؤكم ،