واستطاعت بإعلامها هذا أن تجند عشرة آلاف مقاتل في معركة الأحزاب (الخندق).
وأوحى الله تعالى إلى نبيه ان يغيِّر خطة الحرب مع قريش بعد قصة الخندق إلى خطة صلح ، لأن مواصلة الحرب سوف لن تزيد الإعلام الكاذب إلا قوةً وتأثيرا ، وبالتالي سوف تبقى الصورة الصادقة للإسلام وللنبي صلىاللهعليهوآله وانه جاء معظماً للبيت ومحرراً له من الأصنام ، وأن قريشا هي التي تصد عن بيت الله سوف تبقى هذه الصورة حبيسة المدينة لا غير. (١)
وخرج النبي صلىاللهعليهوآله بأصحابه في موسم الحج قاصداً العمرة معه الهدي رافعاً مشروع الصلح سنة ست من الهجرة ، ولكن قريش بقيت على عنادها وصدتَّه عن زيارة البيت ووقّعت معه معاهدة صلح مشترطةً عليه ان يرجع عامه هذا وأن يأتي العام القابل لزيارة البيت ، وافتضحت في دعاواها مع حلفائها حين صدت النبي صلىاللهعليهوآله وأصحابه عن زيارة البيت ومعه الهدي.
وانفتح الناس على النبي صلىاللهعليهوآله أيام الصلح ودخلوا في الإسلام وارتفع عدد المسلمين من ألف وخمسمائة إلى عشرة آلاف خلال سنتين ونصف ، ثم غدرت قريش بالنبي صلىاللهعليهوآله وفتح النبي مكة وانهارت دولة قريش سنة ثمان من الهجرة. (٢)
__________________
فأنتم أولى بالحق منه. فأنزل الله تعالى في ذلك : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَـٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا) الواقدي ، المغازي ، دانش اسلامي ١٤٠٥ ، تحقيق مارسدن جونس ، ج ١ ص ٤٤٢.
(١) بعثت قريش الحليس بن علقمة ـ وهو يومئذ سيد الاحابيش ـ لملاقاة النبي فلما طلع الحليس قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هذا من قوم يعظمون الهدي ويتألهون ، ابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه. فبعثوا الهدي ، فلما نظر إلى الهدي يسيل في الوادي عليه القلائد ، قد أكل أوباره يرجع الحنين. واستقبله القوم في وجهه يلبون ، قد أقاموا نصف شهر قد تفلوا وشعثوا ، رجع ولم يصل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم إعظاماً لما رأى ، حتى رجع إلى قريش فقال : إني قد رأيت ما لا يحل صده ، رأيت الهدي في قلائده قد أكل أوباره ، معكوفاً عن محله ، والرجال قد تفلوا وقملوا أن يطوفوا بهذا البيت! أما والله ما على هذا حالفناكم ، ولا عاقدناكم على أن تصدوا عن بيت الله من جاء معظماً لحرمته مؤدياً لحقه ، وساق الهدي معكوفاً أن يبلغ محله ؛ والذي نفسي بيده لتخلن بينه وبين ما جاء به ، أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجلٍ واحد! قالوا : إنما كل ما رأيت مكيدةٌ من محمدٍ وأصحابه ، فاكفف عنا حتى نأخذ لأنفسنا بعض ما نرضى به. الواقدي ، المغازي ، ج ١ ص ٥٩٩.
(٢) انظر تفصيل ذلك في كتابنا السيرة النبوية تدوين مختصر ١٦١ ـ ١٦٦.