الدم ، لكنّهم لايقومون بأخذ حقّهم مباشرة ، بل اللازم عليهم رفع الشكوى الى المحاكم الصالحة التي أقامها وليّ المسلمين أعني الخليفة المفترض طاعته ، وإلا فلو قام وليّ الدم بالقصاص واخذ الحق مباشرة ، لزم الفوضى في المجتمع ، كما هو واضح لكلّ من له إلمام بالمسائل الاجتماعية ، فإذا كان هذا حقّاً ثابتاً للإمام ، فهل كان الإمام قادراً على تنفيذ حكم القصاص في حق اولئك الثائرين ، أو كانت الظروف لاتساعد إجراء الحكم ، ولا تعلم حقيقة الحال إلاّ بدراسة الموضوع تاريخياً ، فإنّه يشهد على أنّ الثائرين لم يكونوا أشخاصاً معيّنين ، بل كانت هناك انتفاضة شعبية مختلطة من الكوفيين والبصريين والمصريين ، والمدنيين ، وقد حاصروا بيت الخليفة قرابة أربعين يوماً ، ولم يكن في وسع أصحاب النبي رفع هذا الحصار أو تقويضه إلى أن حدثت حوادث مريرة أدّت إلى الهجوم العنيف على داره ، وقد بلغ المهاجمون من الكثرة مالايحصيه أحد ، ويعلم صحّة ذلك من الأمر التالي :
إنّ أبا مسلم الخولاني قام إلى معاوية في اُناس من قرّاء أهل الشام قبل مسير أمير المؤمنين إلى صفين فقالوا له : يا معاوية علامَ تقاتل عليّاً وليس لك مثل صحبته ولاهجرته ولاقرابته ولاسابقته؟ قال معاوية لهم : مااُقاتل علياً وأنا أدعّي أنّ لي في الإسلام مثل صحبته ولاهجرته ولاقرابته ولاسابقته ولكن خبّروني عنكم : ألستم تعلمون أنّ عثمان قتل مظلوماً؟ قالوا : بلى. قال : فلْيَدَعْ إلينا قتلته ، فنقتلهم به ، ولا قتال بيننا وبينه. قالوا : فاكتب إليه كتاباً يأتيه به بعضنا ، فكتب إلى عليّ هذا الكتاب مع أبي مسلم الخولاني فقدم به على عليّ ثم قام أبومسلم خطيباً فحمدالله وأثنى عليه ، ثم قال : أمّا بعد فإنّك قد قمت بأمر وتولّيته ، والله ما أحبُ أنّه لغيرك ، أن أعطيت الحق من نفسك ، إنّ عثمان قتل مسلماً ، محرماً ، مظلوماً ، فادفع إلينا قتلته ، وانت أميرنا ، فإن خالفك أحد من