ثانية ، وإن تاب ونصحت توبته ، ويبقى كسائر المسلمين له حقوقهم وعليه واجباتهم.
أمّا إذا كان الخطأ صغيراً لايقتضي التوبة ، فإنّهم يعقدون له مجلس تأديب سرّي ، وقد يحكمون عليه بالابعاد عن مجلس العزّابة لمدة طويلة أو قصيرة حسب الخطأ الذي ارتكبه ، وستروا عليه ذلك عن الناس.
وبسبب هذا الحكم كان العزّابة من أشد المحافظين على الإسلام وآدابه ، وقد لخّص أحد المشايخ هذه السيرة في عبارة لطيفة فقال : « إنّ متولّي الناس مثل اللبن يغّيره أي شيء يقع عليه ».
في أواخر القرن الثالث الهجري وقعت حادثتان كبيرتان ، وكان لهما أثر كبير على الاباضية ، في ليبيا وتونس والجزائر :
الاُولى : الحرب الطاحنة بين الأغالبة والاباضية في قصر مانو ، وقد تلقّى فيها الاباضية ضربة عنيفة من يد الطاغية أحمد بن الأغلب.
أمّا الثانية : فهي تغّلب الشيعة على الدولة الرستمية في الجزائر ، وقضائهم على هذه الدولة.
وإذا كانت كلتا الدولتين الأغلبية والشيعية لاتتبعان أحكام الإسلام ، ولاتعملان بها ، فقد فكّر علماء الاباضية في جعل نظام يسيرون عليه ، يحفظون به أحكام الله في مواطنهم ، ويسيّرون به الاُمّة في الوجهة الصالحة ، دون أن يلتجئوا إلى اعلان دولة جديدة ، أو يتعلّقوا بدولة ظالمة مستبدّة.
فاهتدوا إلى وضع هذا النظام ، وقد كان في أوّل الأمر عرفاً يسير عليه الناس ، حتى جاء الإمام الكبير أبو عبدالله محمد بن بكر في أواخر القرن الرابع ،