عبدالله بن اباض بقوله : « فإن كنت تعتبر الدين من قبل الدولة والغلبة في الدنيا فإنّنا لانعتبره من قبل ذلك ، فقد ظهر المسلمون على الكافرين لينظر كيف يعملون (١) وظهر المشركون على المؤمنين ليبلي المؤمنين ويُعلي الكافرين ... فلا تعتبر الدين من قبل الدولة ... ».
ولو كان هو الكاتب لتلك الرسالة (٢) ولم تكن مملاة عليه لدّل على احاطته بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية. كل ذلك يؤيّد انّه هو المؤسّس الثاني للمذهب بعد انطماس خط أبي بلال. وبما أنّ في تلك الرسالة احتجاجات على الطغمة الأمويّة ، وفي الوقت نفسه ، تعكس الأحوال السائدة في تلك الأيّام ، نأتي بنصّها في آخر هذا الفصل وهي من المواثيق التاريخية.
هذا ما وقفنا عليه بعد الغور في التاريخ.
هناك رأي آخر هو أنّ المؤسّس هو جابر بن زيد التابعي ، تلميذ ابن عبّاس وغيره كما سيوافيك ، وأنّ عبدالله بن اباض كان ناطقاً عن الجماعة التي كان يرأسها ويقودها ذلك التابعي سرّاً وخفاء.
يقول علي يحيى معمّر :
« وبعد وفاة جابر بن زيد ظهر عبدالله بن اباض بأجلى مظاهر الغيرة الدينية ولقّن أصحابه مبدأ الإقدام في تقرير الحق ، وقمع أهل الجور والظلم ،
__________________
١ ـ لعلّه اشارة إلى قوله سبحانه في حقّ بني اسرائيل قال : ( عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهِلْكَ عَدُوَّكُمْ ويسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) ـ الاعراف ١٢٩ ـ.
٢ ـ قد نقل البرّادي في كتاب الجواهر المنتقاة رسالة ابن اباض في ١٥٦ ـ ١٦٧ والكتاب مطبوع بمصر طبعة حجرية ، كما نقلها مؤلف السير والجوابات لبعض أئمة الاباضيّة.