وقال تعالى : ( واذَا ذُكِر الله وَحْدَهْ اشْمَأزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ بالآخِرَةِ واذَا ذُكِرَ الَّذينَ مِنَ دُوِنِهِ اِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) (١) وقال تعالى : ( ذلِكُمْ بِأنَّهُ اِذَا دُعِىَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤمِنوا فَالحُكْمُ للهِ العَلِىِّ الكَبِير ) (٢).
فهذه الآيات تحدّد حقيقة الشرك وتعرِّف المشرك بمضامينها ، فهل يمكن توصيف المسلم المؤمن الموحّد ، بالشرك مع أنّه لم يتّخذ أي ندٍّ ومثل في مجال الذات والصفات والأفعال ، ولم يعبد غيره ، وإنّما وحّده في الذات ، والصفات ، والأفعال ، وفي مقام القيام بوظائف العبوديّة لم يعبد إلاّ الله سبحانه. نعم غلبت عليه ـ أحياناً ـ شقوته ، وسيطرت عليه نفسه الأمّارة فركب الحرام مع وجل وخوف.
وبذلك ظهر أنّ الكفر أعم من الشرك ، فمن لم يتّخذ ندّاً ومثلاً لله سبحانه ، ولكنّه كفر برسله وكتبه وما نزّل الله سبحانه ، فهو كافر لامشرك ، واوضح منه من آمن بالله ولم يكفر بشيء ممّا أنزله وارسله غير أنّه صار مقهوراً فارتكب شيئاً حرّمه الله أو ترك فريضة أوجبها الله سبحانه.
فاتضح بذلك بطلان قول الأزارقة من أنّ المعاصي كلّها شرك كبطلان قول النجدية بأنّ الكبائر كلّها شرك وأمّا الصغائر فلا ، إذ لاينطبق معيار الشرك على مجرّد ارتكاب المعصية ، صغيرة كانت أو كبيرة.
استدلّت الأزارقة على أنّ المعاصي كلّها شرك بآيات والمهم فيها آيتان وإليك البيان :
__________________
١ ـ الزمر : ٤٥.
٢ ـ غافر : ١٢.