إنّ الخوارج يعدّون جميع المسلمين كفاراً ، لارتكابهم الكبائر ولا أقل لتصويبهم مبداً التحكيم ، واكثرهم على أنّ الكفر كفر الملّة ، أي الخروج عن الدين إلاّ القليل منهم ، كالاباضية فإنّهم يعدّونه كفراً لنعمه مثلما مرّ في قوله سبحانه في مورد الحجّ : ( ومنْ كَفَرَ فَإنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالمِين ) (١).
فإذا كانت سائر الفرق محكومة بالكفر ، فتكون دارهم دار الكفر ، لا دار الإسلام وقد أوجبت بعض الفرق منهم (كالأزارقة) لزوم الهجرة عنها ، للمعتنقين لمبادئ الخوارج. وعلى كلّ تقديره فهذه المسألة من شعب المسألة الثانية وهي أنّ مرتكب الكبيرة مؤمن فاسق ، أو كافر ، ولمّا ذهبت الخوارج إلى كونه كافراً فيكون جميع المسلمين المخالفين لهم في المبادئ ، كفّاراً.
وبما أنّك عرفت أنّ مقوّم الإيمان عنصر قلبي ، فلا يضرّ ارتكاب الكبيرة بالايمان ، لا بمعنى أنّ الإيمان القلبي وان لم يقترن بالعمل موجب للنجاة في الآخرة ، بل بمعنى أنّه يكفي في خروج الانسان من عداد الكافرين والدخول في عداد المسلمين : الإيمان القلبي بوحدانية الله سبحانه ، وكتبه ، ورسله ، ولهذا الإيمان آثار في الدنيا والآخرة ، وكان النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم يكتفي بالحكم في ايمان الرجل باظهار الشهادتين وهناك روايات متواترة بل متضافرة تدل على ذلك.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعلي عليهالسلام : « قاتل أهل خيبر حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله فإذا فعلوا ذلك ، فقد منعوا منك دماءهم واموالهم ، إلاّ بحقّها وحسابهم على الله » (٢).
__________________
١ ـ آل عمران : ٩٧.
٢ ـ مسلم : الصحيح ٧ / ١٢١ ، ابن عساكر : ترجمة الإمام علي ١ / ١٥٩ ح ٢٢٢ ، النسائي : خصائص أمير المؤمنين : ٥٧.