قام الإمام بإرسال أكابر أصحابه رجاء هداية بعضهم ، فبعث عبدالله بن عبّاس الى معسكرهم فجرى بينه وبينهم مفاوضات ذكرها المؤرّخون ، قال المبرّد : إنّ أميرالمؤمنين لمّا وجّه إليهم عبدالله بن عبّاس ليناظرهم قال لهم : ما الذي نقمتم على أميرالمؤمنين ، قالوا له : قد كان للمؤمنين أمير ، فلمّا حكم في دين الله خرج من الإيمان ، فليتب بعد اقراره بالكفر نَعُدْ إليه ، قال ابن عباس : ما ينبغي لمؤمن لم يشب إيمانه بشك ان يقر على نفسه بالكفر ، قالوا : إنّه حكّم ، قال : إنّ الله أمر بالتحكيم في قتل صيد فقال : ( يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدَل مِنْكُمْ ) (١) فكيف في إمامة قد أشكلت على المسلمين؟ فقالوا إنّه حكم عليه فلم يرض ، فقال : إنّ الحكومة كالإمامة ، متى فسق الإمام وجبت معصيته ، وكذلك الحكمان لمّا خالفا نبذت أقاويلهما ، فقال بعضهم لبعض : اجعلوا احتجاج قريش حجّة عليهم ، فإنّ هذا من الذين قال الله فيهم ( بَلْ هُمْ قَومٌ خَصِمُونَ ) (٢) وقال جلّ ثناءه : ( وَلتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً ) (٣).
إنّ حوار ابن عباس معهم كان حجّة دامغة فقد احتجّ عليهم بالقرآن فما أجابوه بشيء.
والعجب انّهم كانوا يرون التحكيم على خلاف الكتاب والسنّة وانّ الرضا به بمنزلة الكفر ، ومع ذلك كانوا يصرّون على انّه يجب على الإمام أن يخضع لنتيجة التحكيم ، فإنّ الحكمين لمّا عزلاه عن مقام الحكومة يجب عليه التنازل. فما هذا التناقض بين المبدأ والنتيجة ، والتحكيم عندهم كفر وزندقة ولكن
__________________
١ ـ المائدة : ٩٥.
٢ ـ الزخرف : ٥٨.
٣ ـ مريم : ٩٧.