إنّ الخلافة كانت اُمنية في نفس معاوية ، ولكن تقلُّدَ الإمام للخلافة ، أفسد عليه الأمر ، ولم يكن باستطاعته منافسة الإمام علي عليهالسلام ولأجل ذلك حاول إحداث الصدع في صفِّ الاُمّة ، فأطمع الشيخين في طلب الخلافة ، وقد قُتِلا خائبين فلم يَجد مناصاً إلاّ أن يقوم في وجه الامام تحت ستار أخذ ثأر الخليفة المظلوم.
كان معاوية ـ يطلب من الإمام ـ طول محاربته ـ اقراره على ولاية الشام كاقرار الخليفتين له حتى يُسلِّم له الأمر ويعترف بخلافته ، ولكن الإمام عليّاً لم يرض ببقائه في الحكم لعلمه بسوء عمله خلال ولايته.
وقد أشار إلى ابقائه المغيرة بن شعبة ، وقال : واترك معاوية ، فإنّ لمعاوية جرأة فهو في أهل الشام يُسمع منه ولك حجة في اثباته لأنّ عمر بن الخطاب ولاّه الشام كلّها ، ولكن الإمام لم يقبل اقتراحه ، وقال : « لا والله لا استعمل معاوية يومين أبداً » (١).
بعث الإمام جريراً إلى ولاية الشام ليأخذ منه البيعة ، فأتى معاويةُ جريراً في بيته فقال : يا جرير إنّي قد رأيت رُؤياً ، فقال : هات ، قال : اكْتُب إلى صاحبك ليجعل لي الشام ومصر ، جباية ، فإذا أحضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده بيعة في عنقي ، واُسلِّم له هذا الأمر واكْتُبُ إليه بالخلافة ، فقال جرير : اكتب بما أردت ، فكتب معاوية بذلك إلى علي ، فلمّا وصل كتاب جرير مع كتاب معاوية ، فكتب علي إلى جرير : أمّا بعد فإنّما أراد معاوية أن لا يكون لي في عنقه بيعة ، وأن يختار من أمره ما أحبَّ (٢) ، وأراد أنْ يريّثك حتى يذوق أهل الشام ،
__________________
١ ـ الطبري : التاريخ ٣ / ٤٦١.
٢ ـ سيأتي التصريح بذلك في كتاب معاوية إلى الإمام قرب ليلة الهرير ، والامام تفطّن بذلك بنور الله الذي ينظر به المؤمن.