نشوء هذه الفرقة ، وإليك البيان :
قد عرفت أنّ عليّاً عليهالسلام قد قضى على الخوارج الذين كانوا يثيرون الشغب ، ويستعرضون الناس بالسيف ، فلمّا مضى علي عليهالسلام وضع معاوية بن أبي سفيان السيف في الخوارج واستأصل شأفتهم لما كانوا يرتكبون من الأعمال الإجرامية التي عبّر عنها علي عليهالسلام في خطبة له : « كلاّ والله إنّهم نطف في أصلاب الرجال وقرارات النساء. كلّما نجم منهم قرن قطع ، حتى يكون آخرهم لصوصاً سلاّبين » (١).
وقال عليهالسلام مخطاباً لهم :
« أما إنّكم ستلقون بعدي ذلاّ شاملا ، وسيفاً قاطعاً ، وأثرة يتّخذها الظالمون فيكم سنّة » (٢).
ففي هذه الظروف القاسية وجد بينهم رجل يملك شيئاً من العقل ورأى أنّ تلك الأعمال الإجراميّة تسقطهم عن العيون ولا تُبْلِغُهم إلى الهدف ، وهو « أبو بلال مرداس بن حدير » ونقطة البداية في دعوة أبي بلال كانت هي انكار مسلك العنف وما يذهبون إليه من قتل المخالفين واستعراض الناس ، فأمر أتباعه أن لايُجرِّدوا سلاحاً ، ولايقاتلوا مسلماً إلاّ إذا تعرّضوا لعدوان ، أو واجهوا قتالا ، فكان عليهم حمل السلاح دفاعاً عن النفس ، وينقل البلاذري عنه قوله : « إنّ تجريد السيف واخافة السبيل لأمر عظيم ، ولكنّا نشذّ عنهم ولا نجرّد سيفاً
__________________
١ ـ الرضي : نهج البلاغة ، الخطبة ٦٠.
٢ ـ الرضي : نهج البلاغة ، الخطبة ٥٨.