عمراً لم يفوّضه المسلمون في تولية أميرالمؤمنين ، أمّا نظرتهم إلى علي فقد كانوا يتوقّعون أن يتّفق الحكمان على إقراره في الحكم ، وحينئذ ترجع إلى علي الصبغة الشرعية التي تنازل عنها لإثباتها ، ويجب على المسلمين حينئذ أن يوحّدوا صفوفهم ، تحت طاعته ، ما قام فيهم بكتاب الله ، ولكنّ المندوب الذي اختاره علي ليمثّله في هذه القضية الظالمة ، أعلن أنّه عزل عليّاً عن أمر المسلمين ، وأنّ الأمر أصبح للشورى والاختيار ، وتأيّد موقف هؤلاء المحايدين وانضمّ إليهم عدد آخر ممّن كانوا يقفون إلى جانب عليّ حتى ذلك الحين ، وبحثوا الأمر فيما بينهم على أساس أنّ المسلمين أصبحوا دون خليفة.
فهذا معاوية باغ ظالم لايمكن أن يتولّى أمر المسلمين ، وهذا عليّ عزله المندوب الذي اختاره للتحكيم ، واذن فليختاروا ، واختاروا عبدالله بن وهب الراسبي ، فبايعوه أميراً للمؤمنين وخليفة للمسلمين بعد علي بن أبي طالب ، فهو الخليفة الشرعي الخامس في نظرهم » (١).
لم أجد عنواناً يعرب عن مظلوميّة الإمام أمير المؤمنين في مسألة التحكيم الذي فرضه عليه الخوارج ، ثم جاءوا يطالبونه بالجريمة ، أحسن من هذا المصراع ، وبما أنّا فرضنا على أنفسنا في بدء الكتاب ألاّ نقضي على قوم بماكتبه غيرهم في حقّهم ، فقد نقلنا هذا الكلام بتفصيله والإمعان في أوّله وثناياه وآخره يدل على أنّ الكاتب أخذ موقفاً مسبقاً في مسألة التحكيم ، فأخذ من التاريخ فقرات متناثرة تلائم موقفه ، وترك كل ما يخالفه.وإليك تحليل ماذكره.
١ ـ كان من واجبه ـ قبل كلّ شيء ـ التعريف بالذين فرضوا التحكيم على
__________________
١ ـ علي يحيى معمّر : الاباضية في موكب التاريخ ، الحلقة الاُولى ٢١ ـ ٣٤.