يديك من ذلك إلاّ القذف بالغيب من مكان بعيد ولكنّك مِلْتَ إلى الدنيا (١).
كان مبعوث الإمام يحاول أن يرد شرحبيل عن دَعْم فكرة معاوية ، فكتب إليه أيضاً كتاباً ضمَّنه قصيدة ، فلمّا قرأه شرحبيل ذعر وفكَّر وقال : هذه نصيحة لي في ديني ودنياي ، والله لاأعجل في هذا الأمر بشيء.
فلمّا بلغ معاوية تردّد زاهد الشام وناسكه لفَّف له الرجال ، يدخلون إليه ويخرجون ويُعظِّمون عنده قتل عثمان ، ويرمون به عليّاً ويقيمون الشهادة الباطلة ، والكتب المختلقة ، حتى أعادوا رأيه وشحَّذُوا عزمه ، وصار معاوية يملك قلوب الشاميين بواسطة هذا الرجل المتخّبط ، ولمّا استنهضهم للقتال قاموا جملة واحدة.
قام معاوية بإرسال رسائل إلى شخصيات إسلامية كانوا محايدين ، فكتب إلى عبدالله بن عمر ، وسعد بن أبي وقّاص ، ومحمّد بن مسْلمة ، يدعوهم إلى الثورة على علي ، فكتب إلى ابن عمر بقوله : « لم يكن أحد من قريش أحبَّ إليّ أن يجتمع عليه الأُمّة بعد قتل عثمان منك ، ثم ذكرتُ خَذْلك إياه ، وطعنَك على أنصاره ، فتغيّرتُ لك ، وقد هوَّن ذلك عليَّ خلافُك على عليّ ، ومَحا عنك بعض ما كان مَنك ، فأعِنَّا يرحمك الله ـ على حق هذا الخليفة المظلوم ، فإنّي لست اُريد الإمارة عليك ، ولكنّي اُريدها لك ، فإن أبيت كانت شورى بين المسلمين.
وكتب إلى سعد بن أبي وقّاص : أمّا بعد فإنّ أحق الناس بنصرة عثمان ، أهل الشام والذين أثبتوا حقَّه واختاروه على غيره (٢) وقد نصره طلحة والزبير ،
__________________
١ ـ نصر بن مزاحم : وقعة صفّين ٤٥ ـ ٤٨.
٢ ـ يريد بذلك سعد بن أبي وقاص حيث نصر عثمان في الشورى المعقوده لتعيين الخليفة بعد قتل عمر ، بأمره.