على حياة الإمام ، تراجع عن ساحة القتال ، ورجع طائعاً مذعناً لما أمره به الإمام عليهالسلام وخاطب اُولئك الذين وقفوا بوجه الإمام ، وقال خُدِعَتم والله فانخدعتم ، ودُعِيْتُم إلى وضع الحرب فأجبتم ، يا أصحاب الجباة السود كنّا نظنّ أنّ صلاتكم زهادة في الدنيا ، وشوقاً إلى لقاء الله ، فلا أرى فراركم إلاّ إلى الدنيا من الموت ، ألا فقبحاً يا أشباه النِّيب الجلاّلة ، ما أنتم برائين بعدها عزّاً أبداً ، فابعدوا كما بعد القوم الظالمون (١).
هذا هو الأشتر وهذه طاعته للامام الحق ، وأمّا الخوارج فسَلْ عن عنادهم ولجاجهم في وجه الحق ، فقد احتجّ عبدالله بن عباس على صحّة مبدأ التحكيم بقوله : « إنّ الله أمر بالتحكيم في قتل صيد » فقال : ( يَحْكُمُ بِهِ ذوا عَدْل مِنْكُمْ ) فكيف في الامامة ... ، فلمّا سمعت الخوارج تلك المعارضة قال بعضهم لبعض : اجعلوا احتجاج قريش حجّة عليهم ، فإنّ هذا من الذين قال الله فيهم : ( بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُون ) وقال عزّوجلّ : ( وتنْذِرَ به قَوْماً لدّا ) (٢).
إلى هنا وقفت على العامل الأوّل لظهور هذه النكسة ، وإليك بيان العامل الثاني :
كان في ج
يش الإمام عملاء لمعاوية يعملون لصالحه ، حيث كانوا يضمرون العداء لعليّ ، ويتحّينون الفُرصَ للقضاء على حكومته وحياته ، كأمثال الأشعث بن قيس ، وقد عرفت أنّه خطب في أوان طلوع فكرة إنهاء الحرب وقال : من لذرارينا ونسائنا إن قُتِلْنا؟ يقول هذا والخوارج بمرأى
__________________
١ ـ نصر بن مزاحم : وقعة صفّين ٥٦٣.
٢ ـ المبرّد : الكامل ٢ / ١٢٢ طبع مطبعة المعارف بمصر.