ولايعلمون كيف يقاتلونهم ، هل يتبعون مولِّيهم أم لا؟ وهل يجهّزون على جريحهم أم لا؟ وهل يقسمون فيئهم أم لا؟ وكانوا يستعظمون قتال من يؤذّن كأذاننا ، ويصلّي كصلاتنا ، واستعظموا أيضاً حرب عائشة وحرب طلحة والزبير لمكانتهم في الاسلام ، وتوقّف جماعة منهم عن الدخول في تلك الحرب ، كالأحنف بن قيس وغيره ، فلو لا أنّ عليّاً اجترأ على سلّ السيف فيها ما أقدم أحد عليها (١).
لمّا قتل الخوارج وأفلت منهم من أفلت ، قال بعض أصحاب الإمام : يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم ، فقال :
« كلاّ والله انّهم نطف في أصلاب الرجال وقرارات النساء ، كلّما نجم منهم قرن قطع ، حتّى يكون آخرهم لصوصاً سلّابين » (٢).
ذكر المؤرّخون قضايا وحوادث تعرب عن أنّ القوم صاروا بعد ذلك لصوصاً سلاّبين ، فإن دعوة الخوارج اضمحلّت ، ورجالها فنيت حتى أفضى الأمر إلى أن صار خلفهم قطّاع طرق متظاهرين بالفسوق والفساد في الأرض ، وإليك نماذج :
خرج في أيام المتوكّل ، ابن عمرو الخثعمي بالجزيرة ، فقطع الطريق وأخاف السبيل ، فحاربه أبو سعيد الصامتي فقتل كثيراً من أصحابه ، وأسر كثيراًمنهم ، فمدحه أبو عبادة البحتري وقال :
كنّا نكفر عن اُمية عصبةً |
|
طلبوا الخلافة فجرةً وفسوقاً |
__________________
١ ـ ابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة ٧ / ٤٦.
٢ ـ الرضي : نهج البلاغة ، الخطبة ٥٩.