سار عليّ حتى نزل الموضع المعروف بالزاوية ، فصلّى أربع ركعات ، وعفر خدّيه على التراب وقد خالط ذلك بدموعه ثم رفع يديه يقول : اللّهمّ ربَّ السماوات وما أظلّتْ ، وربّ العرش العظيم ، هذه البصرة ، أسألك من خيرها ، وأعوذبك من شرّها ، اللّهمّ انزلنا فيها خير منزل ، وأنت خير المنزلين ، اللّهمّ إنّ هؤلاء القوم قد بغوا علىّ وخلعوا طاعتي ونكثوا بيعتي ، اللّهمّ أحقن دماء المسلمين.
ثمّ بعث إليهم من يناشدهم الله في الدماء ، وقال : « علام تقاتلونني؟ » فأبوا إلاّ الحرب ، فبعث إليهم رجلا من أصحابه يقال له مسلم ، معه مصحف يدعوهم إلى الله تعالى فرموه بسهم فقتلوه ، فحمل إلى علي قتيلا.
فأمر عليّ أصحابه أن يصافوهم ولايبدؤهم بقتال ولايرموهم بسهم ، ولايضربوهم بسيف ، ولايطعنوهم برمح. حتى جاء عبدالله بن بديل بن ورقاء الخزاعي من الميمنة بأخ له مقتول ، وجاء قوم من الميسرة برجل قد رمي بسهم فقتل ، فقال عليّ : اللّهمّ اشهد. أعذروا إلى القوم ، ثم قام عمّار بن ياسر بين الصفّين فقال : أيّها القوم ما أنصفتم نبيّكم حين كفقتم عقائلكم في الخدور ، وأبرزتم عقيلته للسيوف ، وعائشة على الجمل في هودج من دفوف الخشب ، قد ألبسوه المسوحَ وجلودَ البقر ، وجعلوا دونه اللبود ، وقدغشى على ذلك بالدروع ، فدنا عمّار من موضعها فناداها : إلى ماذا تدعين؟ قالت : إلى الطلب بدم عثمان ، فقال : قاتل الله في هذا اليوم الباغيَ والطالبَ لغير الحق ، ثم قال : أيّها النّاس إنّكم لتعلمون أيّنا الممالى في قتل عثمان ، ثم أنشأ يقول وقد رشقوه بالنبال :
فمنكِ البكاء ومنكِ العويل |
|
ومنكِ الرياح ومنكِ المطر |