قد عرفت أنّ الأزارقة والنجدية قالوا إنّ المعاصي شرك ، وخالفهم الاباضية ، فوصفوها بالكفر ، ومرتكبها بالكافر ، ويقع الكلام في الجهة الثانية في هذا الجانب ، وقبل الخوض في تحليل دلائلهم نذكر ما هو حقيقة الإيمان والكفر ، فنقول :
إنّ حقيقة الإيمان هو التصديق القلبي ، والقلب هو مرتكز لوائه ، وامّا العمل فهو من مظاهره لامن مقوّماته ويظهر ذلك من غير واحد من الآيات. قال سبحانه :
( أُولِئِك كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمانَ ) (١) ، وقال سبحانه : ( وَلمّا يَدْخُلِ الإيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) (٢) ، وقال تعالى : ( وقلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمانِ ) (٣).
وتؤكّد آيات الطبع والختم على أنّ محلّ الإيمان هو القلب ، قال سبحانه : ( اُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وسمْعِهِمْ وابْصَارِهِمْ والئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ ) (٤) ، وقال سبحانه ( وختَمَ عَلَى سَمْعِهِ وقلْبِهِ وجعَلَ عَلَى بَصَرِهَ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللهِ أفَلاَ تَذَكَّرُونَ ) (٥) والختم على السمع والبصر لكونهما من أدوات المعرفة الّتي يستخدمها القلب.
نعم كون القلب مركزاً للإيمان وخروج العمل عن كونه عنصراً مقوّماً للإيمان ، لايعني أنّ التصديق القلبي يكفي في نجاة الإنسان في الحياة الأُخروية بل يعني أنّه يكفي في خروج الإنسان عن زمرة الكافرين ـ الذين لهم خصائص
__________________
١ ـ المجادلة : ٢٢.
٢ ـ الحجرات : ١٤.
٣ ـ النحل : ١٠٦.
٤ ـ النحل : ١٠٨.
٥ ـ الجاثية : ٢٣.