لا محيص للباحث المحقق عن قيمة رأي الحكمين من دراستها ، ولأجل ذلك نبحث عنها بإيجاز ، حتّى يقف القارىء على أنّ رأي الحكمين كما وصف أمير المؤمنين كان خطباً فادحاً واليك دراستها :
إنّ دراستها على وجه التحقيق تحوجنا الى تأليف مفرد لايناسب وضع الكتاب ، غير انّا نشير إليها إشارة عابرة ، ونلمع إليها إلماعاً بسيطاً.
أوّلا : قد تعرّفت على بعض الأسباب التي أدّت الى قتل الخليفة والفتك به ، وانّ الاستبداد بالرأي ، وتسليط بني أميّة على رقاب الناس ، وتخصيص كميّة هائلة من بيت المال لأصحاب الترف والبذخ من أبناء بيته ، وتسيير صلحاء الاُمّة من الصحابة والتابعين عن المدينة المنوّرة إلى منافيهم ، واخيراً تعدّي عمّاله وولاته في العراق ومصر على الطبقات الوسطى ، والفقيرة من المجتمع و .... كل هذه أدّت إلى انتشار السخط والغضب على الخليفة وعمّاله إلى أن جنى ثمرة عمله فقتل في عقر داره وبين أبنائه ونسائه بمرأى ومسمع من المهاجرين والأنصار ، وهم بين مجهز عليه ، ومؤلّب وراض ومحايد. والقضاء في مثل هذه المسألة من صلاحية لجنة عارفة بالكتاب والسنّة ، واقفة على حياة الخليفة وما قام به من الأعمال ، وما نقم عليه من الأفعال حتى تصدر ـ بعد سماع حجج الثائرين ـ عن مصدر قويم ومثل هذه المشكلة لا تحل عقدتها في ساحة الحرب ، بل في جوّ هادئ ، يكون القاضي فيه مستقّلا في الرأي ، وحرّاً في التفكير والتعبير ، ونحن لاندخل في هذه المعركة الخطيرة ، نترك القضاء فيها إلى تلك اللجنة الخبيرة ونعطف عنان البحث إلى الموضوع الثاني.
ثانياً : إنّ من سبر التاريخ يقف على أنّ بيعة الإمام كانت بيعة شعبية جماهيرية ، ولم يكن لها مثيل في تاريخ الخلافة الإسلامية ، فاذا قلت :
لم يكن لها مثيل في تاريخ الخلافة فإنّما اقولها عن بيّنة ودليل فإنّ الخليفة