قتل الخليفة بمرأى ومشهد من الصحابة ، وتركت جنازته في بيته ، واجتمع المهاجرون والأنصار في بيت علىّ ، وطلبوا منه بإصرار بالغ قبول الخلافة ، إذ لم يكن يوم ذاك رجل يوازيه ويدانيه في السبق الى الاسلام ، والزهد في الدنيا ، والقرابة من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والعلم الوافر بالقرآن والسنّة ، والامام يصف اجتماعهم في بيته ويقول : « فتداكوا علىّ تداكّ الابل الهيم ، يوم وردها ، وقد أرسلها راعيها وخلعت مثانيها ، حتى ظننت أنّهم قاتلي أو بعضهم قاتل بعض لدي » (١).
وفي كلمة اُخرى له عليهالسلام يقول واصفاً هجوم المهاجرين والأنصار على بيته لبيعته : « وبسطتم يدي فكففتها ، ومدد تموها فقبضتها ، ثم تداككتم عليّ تداك الهيم على حياضها يوم وِرْدها حتى انقطعت النعل ، وسقط الرداء ، ووطىء الضعيف ، وبلغ من سرور الناس ببيعتهم ايّاي ، أن ابتهج بها الصغير ، وهدج إليها الكبير ، وتحامل نحوها العليل ، وحسرت اليها الكعاب » (٢).
فلمّا عرضوا عليه مسألة الخلافة والقيادة الاسلامية أجابهم بجدَ وحماس : « دعوني فالتمسوا غيري فإنّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان ، لاتقوم له القلوب ، ولا تثبت له العقول » (٣).
فلمّا أحسّ منهم الإلحاح والإصرار المؤكّد وانّه لابدّ من البيعة ورفع علم الخلافة قال عليهالسلام : إذا كان لابدّ من البيعة فلنخرج إلى المسجد حتى تكون بمرأى ومسمع من المهاجرين والأنصار ، وجاء الى المسجد فبايعه
____________
١ ـ الرضي : نهج البلاغة ، الخطبة ٥٤.
٢ ـ الرضي : نهج البلاغة ، الخطبة ٢٢٩.
٣ ـ الطبري : التاريخ ٣ / ١٥٦.