ولكن هذا من مختلقات بعض المؤرّخين (١) الذين جرّهم حبّهم واخلاصهم للخلافة والخليفة الى اسناد هذه الثورة الى رجل مزعوم (عبدالله بن سبأ) لم يثبت وجوده أوّلا ، وعلى فرض وجوده لم تثبت له تلك المقدرة الهائلة التي تثير الحواضر الاسلامية وعقلية المهاجرين والأنصار على الخليفة المفترض طاعته (٢).
فلو كان لعبدالله بن سبأ تلك المقدرة وانّه كان يجول في البلاد لتحريض الناس على الخليفة فلماذا لم يتمكّن الخليفة ولا عمّاله من القبض عليه ليسجنوه أو يطردوه من الحواضر الاسلامية الى نقطة لا ماء فيها ولا كلاء كما طردوا أباذر إلى الربذة ، وسيّروا صلحاء الكوفة إلى أمكنة اُخرى.
قال الأميني : لوكان ابن سبأ بلغ هذا المبلغ من إلقاح الفتن ، وشقّ عصا المسلمين وقد علم به وبعيثه اُمراء الاُمّة وساستها في البلاد ، وانتهى أمره الى خليفة الوقت ، فلماذا لم يقع عليه الطلب؟ ولم يُلْقَ القبض عليه ، والأخذ بتلكم الجنايات الخطرة ، والتأديب بالضرب والاهانة ، والزجّ الى أعماق السجون؟ ولا آل أمره الى الاعدام ، المريح للأمّة من شرّه وفساده ، كما وقع ذلك كله على الصلحاء الأبرار الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، وهتاف القرآن الكريم يرنّ في مسامع الملأ الديني : ( إنَّما جَزاءُ الَّذينَ يُحارِبونَ الله وَرَسُولَهُ ويسْعَوْنَ في الأرْضِ فَساداً أنْ يُقَتَّلُوا أوْ يُصَلَّبُوا أوْ تُقَطَّعَ أيْدِيهِم وارْجُلُهُمْ مِنْ خِلاف أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌّ في الدُّنْيا ولهُمْ في الآخِرَة عَذابٌ عَظيمٌ ) (المائدة : ٣٣) (٣).
__________________
١ ـ الطبري : التاريخ ٣ / ٣٧٨.
٢ ـ لا حظ عبدالله بن سبأ لمرتضى العسكري فقد اغرق نزعاً في التحقيق فلم يبق في القوس منزعا.
٣ ـ الأميني : الغدير ٩ / ٢١٩.