ففرضوا على علي عليهالسلام التحكيم والحّكم ، إلى غير ذلك من الاُمور التي ذكرناها آنفاً ، فصار القائد مقوداً والإمام مأموماً والمطاع مطيعاً.
روى ابن هشام عن عبدالله بن عمروبن العاص أنّه قال : جاء رجل من بني تميم ـ في غزوة هوازن ـ يقال له ذوالخويصرة فوقف عليه وهو يعطي النّاس فقال : يا محمّد ، قد رأيتُ ما صنعت في هذا اليوم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أجل ، فكيف رأيت؟ فقال : لم أرك عدلت ، قال : فغضب النبي ، ثم قال : ويحك ، إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟ فقال عمربن الخطاب : يا رسول الله ألا أقتله؟ فقال : لا دعه فإنّه سيكون له شيعة يتعمّقون (١) في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية (٢)
__________________
١ ـ المراد من التعمق كثرة السؤال والاعتراض على الأوامر الصادرة من القيادة ويؤيّد ذلك الحديث المشهور : سأل رجل الإمام موسى بن جعفر عليهالسلام وقال : رجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء ، ولا يدري أذكية هي أم غير ذكية؟ أيصلّي فيها؟ فقال : نعم ليس عليكم المسألة. انّ أباجعفر عليهالسلام كان يقول : إنّ الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم ، انّ الدين أوسع من ذلك. (الصدوق : من لا يحضر الفقيه ١ / ١٦٧ ، الباب ٣٩ ، الحديث ٣٨). ويظهر ذلك ممّا روي عن علي من قصار الكلمات قال : الكفر على أربع دعائم : على التعمّق ، والتنازع ، والزيغ ، والشقاق ، فمن تعمّق لم ينب إلى الحق ، ومن كثر نزاعه بالجهل دام عماه عن الحق ، نهج البلاغة قسم الحكم ٣١ ـ فمعنى التعمّق هنا لا يتنافى مع ما سنذكره من أنّ البساطة والسذاجة والظاهرية كانت سمة من سماتهم.
٢ ـ ابن هشام : السيرة النبوية ٤ / ٤٩٦. ابن الاثير : الكامل ٢ / ١٨٤. ورواه البخاري في باب « المؤلفة قلوبهم على وجه التفصيل ، فمن أراد فليرجع إلى صحيحه ».